لا تخطؤا في التمييز بين القصر الدائري في غوانغدونغ في الصين وبين مقر مبنى الدار في أبوظبي. وبالتأكيد، يتشارك المعلمان تصميماً يشبه شكل قطعة “الدونات” وهما خاليان من عناصر التزين البنوية.
ويرتكز التصميم الصيني على شكل قرص اليشم ( Jade Disc) أو المعروف بـ “باي” والذي أصبح ذا أهمية حضارية خلال فترة الليانغزو قبل حوالي 5,400 عام. وبالرغم من أن الاستعمال الأصلي للقرص ضمن حضارات العصر الحجري الحديث قد بات طي النسيان، إلا أن هذه الأشكال الهندسية الدائرية أصبحت لاحقاً رمزاً للسماوات حيث يتم التعامل معها من قبل شخصياتٍ روحية أثناء ممارسة الطقوس أو تستعمل للدلالة على مكانة الشخص في المجتمع. ويحمل مبنى غوانغدونغ خصائص فيزيائية وغير ملموسة في آن واحد: فحين ينعكس المبنى على النهر المجاور له فإنه يظهر على شكل رقم ثمانية والذي يمثل رقم الحظ ويخصة الصينيون بكثير من الاحترام.
في المقابل، يمثل الشكل الدائري لمقر مبنى الدار في أبوظبي، النموذج الأول من نوعه في الشرق الأوسط. ولم يتم تصميم شكله استناداً لأرقام الحظ أو الرموز الحضارية، بل اعتمد على الكمال الهندسي والمبادئ الكونية للطبيعة، والمعروفة بـ النسبة الذهبية.
وتعرف هذه العلاقة الغامضة بين الأعداد على نطاق أوسع بربطها مع الرجل الفيتروفي لليوناردو دافنشي ( اللوحة الموجودة في الرابط التالي)، والتي تمت تسميتها على اسم معماري روما فيتروفيوس، والذي اعتقد أن النسب الهندسية هي مستلهمة في الأصل من النسب الطبيعية لجسم الإنسان.
برج الدار الذي يرتفع 360 قدماً ، تتصل دائرته التامة مع الأرض بنقطتين أساسيتين، تماماً كما في لوحة كرونليوس أغريبا للجسم البشري، اللوحة المشابهة للوحة دافنشي، حيث أنه تم تثيبت أقدام الشكل الذكروي ( الصورة هنا ) في نقطتين خاصتين في الدائرة تم تحديدهما بواسطة نجمة خماسية داخلية. وقام المهندسون المعمارون بحساب نقط الاتصال المبنى بالأرض من خلال رسم النجمة الخماسية نفسها كما في رسمة أغريبا ضمن المخطط الخاص بدائرة الدار.
وعلى الرغم من أن التصميم الخاص بمقر الدار هو مميزٌ بصفاته المتفردة ، بيد أن استعماله للنسبة الذهبية ليس بالأمر المميز. فقد أكدت القياسات التي أجريت مؤخراً لمسجد القيروان الكبير في تونس أنه قد جرى تصميمه وفق مبادئ النسبة الذهبية أيضاً، وهذا لعله ما يفسر مظهره المتجانس. ( الصورة هنا).
وفي حين أننا قد نقضي وقتاً متعباً في الجدال حول أنّ جلّ مايمكن أن تراه خلال إلقاء النظرة الأولى على مبنى غوانغدونغ أو على مبنى الدار هو شكل “الدونات” أوعدسة مكبرة عملاقة، بيد أننا ندعوك لإلقاء نظرة ثانية، وأن تقدر على الأقل الأنماط الجديدة في المظاهر العمرانية في الشرق الأوسط وفي آسيا. أما نحن فسنترقب كل جديدٍ يظهر في هذا الأفق.