قد يكون مهرجان كان السينمائي هو المغناطيس الذي يجذب مصوري الصحافة ومشاهير هوليوود من التصنيف الأول، لكنّ هدفه الأول يبقى أن يكون أحد أكثر المنصات المهمة لعرض الأفلام الجديدة والترويج لأنجح المخرجين والمنتجين وكتّاب الأفلام الصاعدين حول العالم. وتعدّ فعالية هذا العام مهمة على وجه الخصوص للعالم العربي، لأنها ستعرض مزيداً من الأفلام من منطقتنا أكثر من أيّ وقت مضى. سيتمّ عرض عدد من الأفلام المصنوعة في الشرق الأوسط في زاوية الأفلام القصيرة، وهو ما يدل على الطاقة المبدعة الوليدة والقوية في عالم صناعة الأفلام في المنطقة. تستكشف هذه الأفلام مواضيع عن الذاكرة والهوية والضياع، وتهدف لإثارة النقاشات حول الحياة في الشرق الأوسط.
آدم، قصة الرجل الذي يتعطّل لقاؤه بزوجته وابنته بسبب الحرب في سوريا هي أحد الأمثلة على ذلك النوع من العمل. تمّ تصوير الفيلم في أبو ظبي من قبل المخرجة السورية الأصل أماني السعيد، وتتناول قصته جوهر الضياع والفقدان على المستويين الشخصي والعالمي. تسلّط السعيد من خلال الفيلم الضوء على حقيقة أنّ الخوف من فقدان أحد الأحبّة أصبح واقعاً بالنسبة لأكثر من 100,000 سوري.
كما أنّ الفقدان هو موضوع فيلم فيليغرين Filigrane الذي أخرجته غيل سيغال، البروفيسورة في جامعة نيويورك أبو ظبي، والذي يقصّ حكاية ثلاث إخوة يخوضون رحلة طرقية عبر صحراء أبو ظبي يتحدثون فيها عن فقدان والدهم وذكرياتهم المتضاربة عنه. علمت سيغال، التي حصلت على جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان سان تروبيه السينمائي العالمي، أنها أرادت أن تصوّر قصتها في صحراء الإمارات منذ أن زارتها عام 2012.
يذكر أنّ الأزياء في فيليغرين من تصميم بيسو تورازاشفيلي الجورجي الأصل المقيم في دبي، الذي صنع أيضاً فيلماً مدته 15 دقيقة تحت عنوان لوست إن إسكابيد Lost in Escapade. تمّ تصوير الفيلم في جزيرة الحمرا في رأس الخيمة، مدينة الأشباح الغير مأهولة منذ أربعة عقود مضت. استخدم تورازاشفيلي المنازل الفارغة ليرمز للفراغ في حياة أبطاله وهما زوجان جورجيان قررا الانفصال بعد أن هربت الزوجة لتعمل في الإمارات العربية المتحدة تحت حجة واهنة.
ويبدو أنّ الدراما هي أيضاً صنف رائج بين المخرجين المحلين؛ حيث يروي فيلم فيليب رشيد القصير هابي بيرثدي عن المفاجئة الغير متوقعة التي يحصل عليها فتى في السابعة من عمره ليلة عيد ميلاده. وبما أنّ فيلم هابي بيرثدي فاز في السابق بجائزة سامسونغ شورت فيلم كونتيست في دبي بعد أن تمّ تصويره بالكامل بجهاز سامسونغ نوت 4، سيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان رشيد سيتمكّن من تكرار نجاحه السابق في نطاق عالمي.
وبما أنّ صناعة الأفلام في الشرق الأوسط ما تزال ناشئة، اعترف صنّاع الأفلام بأنهم واجهوا بعض القيود العملية، حيث تحدّثت السعيد عن إجراء مئات الاختبارات بحثاً عن الطاقم المؤهل والممثلين ذوي الخبرة؛ وكذلك فعلت سيغال التي كان عليها أن تبحث في كامل الإمارات لتجد ممثلة إماراتية في منتصف العمر تلعب دور مساعدة الوالد المتوفى. لكنّ حضورهم الحالي في مهرجان كان السينمائي السنوي بنسخته الثامنة والستين يعدّ بحد ذاته إشارة إيجابية إلى أنّ السينما في منطقتنا تتقدّم إلى الأمام.
_ناتالي ثيودوسي