Follow Vogue Man Arabia

لهذه الأسباب يؤمن الشيف العالمي توماس كيلر بأن الطعام اللذيذ ليس وحده أهم ما يميّز المطاعم

الشيف توماس كيلر داخل مخبز بوشون بيكري في دبي

يعد الشيف الأمريكي الشهير توماس كيلر واحداً من أفضل الطهاة على وجه الأرض، لذا حرصت ڤوغ العربية للرجل على إجراء حوار مطوّل معه لدى زيارته دبي لافتتاح مخبزه الجديد بوشون بيكري.

في هذا اللقاء، تطرق كيلر إلى الجانب الطفولي الخفي في شخصيته، ومتعته في تناول الأطعمة السريعة، وتحدث عن الاستدامة، وأسباب ارتفاع أسعار الوجبات، وعدم ظهور أي جديد في عالم الطهو، ولماذا يعتقد أن الطعام اللذيذ ليس أهم شيء بالنسبة لأي مطعم.

لماذا اخترت دبي كأول مدينة تفتتح فيها فرعاً لعلامتك خارج الولايات المتحدة الأمريكية؟
الفضل في ذلك يعود إلى رجل الأعمال محمد الشايع؛ فبعد أن حظي مطعم فرنش لوندري بكثير من الإشادة والتقدير، عُرض علينا افتتاح مطاعم في مناطق أخرى حول العالم ولكني لم أشأ حقاً افتتاح مطاعم خارج الولايات المتحدة الأمريكية بسبب علاقاتي القوية مع المزارعين، والصيادين، والبستانيين وغيرهم في أمريكا، لأن المنتجات التي تستخدمها مطاعمنا عامل في غاية الأهمية. والانتقال إلى مكان آخر يعني ضرورة البحث عن موردين جدد تماماً. وفي بلدان مثل المملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا هناك بالفعل العديد من المطاعم الرائعة التي تتعامل مع هؤلاء الموردين، لذا عليّ أن أقف في طابور طويل للحصول على منتجاتهم، وذلك رغم أنني لست متأكداً ما إن كان الطهاة الآخرون يربطون نجاحهم بجودة المكونات التي يستخدمونها أم لا.

وقد أراد محمد أن يفتتح فرعاً لمطعم بوشون بدلاً من المخبز، ولكني عندما شرعت في دراسة الموضوع، تبينت أن المخبز أفضل كثيراً نظراً لتوافر مكوناته ومنتجاته؛ فبوشون يمتلك مخزوناً ضخماً و70٪ منه منتجات طازجة، لذا فإن جلب هذه المنتجات من منطقة لا أعرف فيها أحداً بالفعل أمر شاق. ولكن للمخبز مخزون أقل بكثير وأغلبه سلع مثل الدقيق، والحليب، والبيض، والسكر، والكريمة. وهي وجهة نظر منطقية من ناحية التشغيل وقدرتنا على العمل بمستوى عال جداً. ويمكنك أن تتعلم استخدام أنواع مختلفة من الكريمة هنا، ولكن محاولة العثور على دجاجة جيدة قد يتحول إلى مهمة عسيرة.

كيف ينظر الأمريكيون إلى دبي كوجهة للمطاعم؟
إنها مثل مدينة لاس فيغاس؛ فأنا والعديد من زملائي نملك مطاعم في لاس فيغاس وننظر إلى مجال المطاعم في دبي بنفس الطريقة، فهي مدينة يفد عليها كثير من مشاهير الطهاة لتدشين مطاعمهم الرئيسية والعمل بجد، ولكنها ليست موطنهم.

هل الأرباح التي تحققها المطاعم في دبي وحدها السبب وراء افتتاح المطاعم الجديدة؟
زرت دبي منذ 12 سنة وكان الشيف الشهير غوردون رامزي مقيماً بها مع عدد من أشهر الطهاة، ولكني شعرت وقتها بأنني لست مستعداً بعد. ولكن دبي ظلت كما عهدها الجميع، مدينة تضج بالحيوية والنشاط، ولكنها للأسف بعيدة عني إ ذ تستغرق الرحلة بينها وبين أمريكا 18 ساعة.

قلت إن ما يقدمه هذا المخبز هو ’’طعام لإشباع رغبات الطفولة الكامنة في دواخلنا‘‘، فهل هذا الشعار ينطبق أيضاً على مطعمك بير سي؟
أسسنا مخبز بوشون بيكري نظراً لحاجتنا إليه في البداية، حيث كنا نريد مخبزاً يصنع الخبز الطازج لمطعم فرنش لوندري والارتقاء بخدمة المخبوزات لدينا، وكان وسيلتنا للحصول على مخبوزات طازجة من ثلاث إلى أربع مرات يومياً، بدلاً من شرائها من متجر آخر والحصول عليها مرة واحدة يومياً، ويمكن أن تصل في الليلة السابقة على الخدمة. وكنا في الوقت ذاته، نريد أن نمنح المجتمع المحلي في مدينة يونتفيل بكاليفورنيا شيئاً فريداً، لذا أقمنا منطقة صغيرة جداً لتجارة التجزئة وساحة يتجمع فيها الناس صباحاً لتناول القهوة والكرواسون.

مخبز بوشون بيكري على ممشى شاطئ جميرا بدبي

تُرى أين يختبئ الجانب الطفولي في دواخلنا؟
هذا الجانب يختبأ بين ذكرياتنا؛ فعندما كنا صغاراً، كانت لدينا تجارب معينة مع الطعام، وخاصة الحلويات، وسيستمر صدى هذه التجارب يتردد في أعماقنا طيلة حياتنا. فمَنْ منا في أمريكا لم يتذوق رقائق الشوكولاته،؟ وأنت عندما تتذوق كعك رقائق الشوكولاته كأنك تعود إلى طفولتك حين كنت في السادسة من عمرك. وهناك على الجانب الآخر ما يتعلق بالتاريخ والتقاليد؛ ففي فرنسا مثلاً، خبز الباغيت الشهير له أهمية قصوى بالنسبة لنا، لذا يجب صنعه بإتقان. كما تتطلب صناعة بيتي فور الماكرون على النحو الصحيح بذلَ الكثير من الجهد، وأظن أن ما نقدمه رائع للغاية.

إذاً هل الهدف من بوشون هو محاولة تقديم أفضل ما يمكنكم صناعته من رقائق الشوكولاته والكرواسون وغيرها من المخبوزات؟
لست متأكداً من أننا نصنع أفضل رقائق شوكولاته، ولكنها طيبة ومقرمشة من الخارج وناعمة من الوسط. والبعض يفضلها مقرمشة بالكامل، بينما البعض الآخر يحبها طرية – وهذا يعتمد على علامة الكعك التي كنت تتناول منتجاتها في صغرك، سواء تشيبس أهوي أم تول هاوس. وليس هنا مجال لإبداء الرأي فيما هو صحيح أو خاطئ، ولكننا نستخدم حقاً أفضل المكونات. هل هي أفضل الرقائق في العالم؟ ليس لدي فكرة، ولكني أشعر بالرضا عندما أتذوقها. ولا حاجة لتغيير معاييرك عن كعك رقائق الشوكولاته، كل ما هو مطلوب أن تطلق نفسك على سجيتها، وتشهق بـ’’آآآه‘‘ عندما تأكلها.

أحب التردد على مطعم إن-آند-أوت
برغر مرة واحدة على الأقل شهرياً إن لم أكن أتبع حمية غذائية

>هل لا زلت تستمتع بالأطعمة الشائعة‘، إن صح التعبير؟ وهل يثير حماسك العثور على مكان يقدم أطباق الهوت دوغ الحارة الرائعة أو اكتشاف نكهة جديدة مذهلة للرقائق؟
هذا نوع الطعام الذي أتناوله في الغالب، لذا أجل. فأنا أطهو الطعام الراقي جل يومي، ولكن لا يعني ذلك أنني لا أرتاد المطاعم الراقية لتناول العشاء، ولكن عندما آكل، لا أتناول عادةً هذا الطعام. فأنا رجل بسيط للغاية – ناولني دجاجة مشوية شهية وطبقاً من السلطة لأشعر بالسعادة. كما أحب التردد على مطعم إن-آند-أوت برغر مرة واحدة على الأقل شهرياً إن لم أكن أتبع حمية غذائية، لذا لا مانع لدي من تناول الوجبات السريعة.

فأنا ابن لعائلة من الطبقة المتوسطة في أمريكا، وكان الخروج لتناول العشاء يعني الذهاب إلى ماكدونالدز، لذا ما زالت لديّ ذكريات رائعة عن العائلة أثناء تناولها الطعام في ماكدونالدز. وتجربة كتلك والذكريات التي حفرتها في أعماق النفس تساهم في الارتقاء بجودة الطعام. ولكني لم أتذوق هامبرغر ماكدونالدز منذ سنوات، ورغم هذا أنا متأكد أنني لو فعلتها، ربما أستعيد نفس الإحساس الذي كنت أشعر به وأنا أتناوله حين كنت في العاشرة من عمري.

هل يطرأ على الطعام صيحات حقيقية، أم أن هذا أمر يتصوره الناس ولا وجود له في واقع الحال؟
أعتقد أن الصيحات بدع تثير المشاكل لأنها تبدأ وسرعان ما تنتهي، لذا مَنْ سيرغب في الاشتراك في أمر كهذا؟ كما ستضطر إلى أن تبحث عن الجديد وتسعى دائماً خلف شيء ما وغالباً لا تدري ماهيته. إذا كانت حركة فلتنضم إليها وتؤيدها بإخلاص، أما إن كانت بدعة فلا تفعل.

أعتقد أن الصيحات بدع تثير المشاكل لأنها تبدأ وسرعان ما تنتهي، لذا مَنْ سيرغب في الاشتراك في أمر كهذا؟

ولكن هل الصيحات اختلقتها وسائل الإعلام أم إنها ابتكارات أبدعها طاهٍ أو اثنان تميّزا عن الجميع لأنهما صنعا شيئاً جديداً أو وجها المطاعم في اتجاه جديد؟
الأمر إلى حد ما يشمل الاثنين معاً؛ فإذا تأملت مهنتنا وتطورها، تجد إنجازات ومعايير ويمكن اعتبارها صيحات، ولكن السبب الذي يجعلها تبدو كذلك هو الإعلام الذي يبحث دائماً عن الجديد. ويجب أن يكون هناك فهم حقيقي للقيمة التاريخية؛ فنحن جميعاً نقف على أكتاف الآخرين ونتعلم من الذين سبقونا في هذه المهنة ووضعوا معاييرها، ولولاهم ما كنا سنصل إلى ما وصلنا إليه الآن.

فالشيف بول بوكوس كان مَن قرر تقديم الطعام في أطباق، وأغلب الناس لا يعلمون ذلك – سنة 1968. وقبل ذلك التاريخ، كانت جميع المطاعم الراقية تحضر الطعام في قدر كبير على عربة متحركة تمر بجانب الطاولات ليوضع الطعام في أطباق أمام الضيوف داخل قاعة المطعم (ولم يكن الطعام يوضع في الأطباق داخل المطبخ التابع للمطعم كما يتم حالياً). ولكنه قال: ’’إننا طهاة، ويجب أن نقدم طعامنا في أطباق‘‘. ومن هنا نشأت، بالنسبة إلى المطاعم الراقية، فكرة مكونات الطبق. وهذا ما حدث في حياتي، وهو أمر رائع.

ومهنتنا تشهد تغييراً مستمراً، وصارت تحظى بمزيد من التقدير بسبب تزايد أعداد الشباب الذين يختارونها مهنة لهم. وهذا يحدث في جميع أنحاء العالم، لذا بدأت كل دولة تمتلك مطبخاً عظيماً مميّزاً لمأكولاتها.

كنت في الكويت منذ بضعة أشهر بصحبة أربعة من الشباب الكويتيين ومنهم فتاة كان والدها يرغب في أن تلتحق بكلية القانون، ولكن ليس لديها أي رغبة في العمل في المجال القانوني، لذلك عقدت النية على افتتاح مطعم لأن هذا ما تحب عمله. وكان هذا رائعاً، وأسرتني للغاية رؤيةُ شباب يبدؤون فعلياً في بناء ثقافة غذائية في بلادهم. وكان في بلادنا مثل هؤلاء الشباب منذ 60 عاماً، لذا أحييهم بشدة على ذلك.

هل تغير أسلوبك في الطهو بعد حصولك على أول نجمة ميشلان؟ وهل حصولك عليها أثّر إيجابياً على مسيرتك وما تضعه في قائمة الطعام؟
حسناً، هذا ما قد يتصوره الناس، مثلهم في ذلك مثل الإعلام، وهذا على خلاف الحقيقة. فكل تكريم أو تقدير نناله أمر رائع ونفتخر به للغاية، ولكنها مكافآت نحصل عليها نظير ما قمنا بعمله أمس. وما نفعله غداً يثير مخاوفنا وقلقنا، ونعلم أنه بوسعنا عمل ما هو أفضل من ذلك. ولا يعني هذا أننا نعتقد بأننا لسنا على درجة كافية من المهارة، كل ما نعرفه أننا يمكننا عمل الأفضل. ونحن أسوأ المنتقدين لأنفسنا، لذا نسعى جاهدين نحو الأفضل كل يوم. ولكن يجب أن أُذكر فريق العمل في جميع مطاعمنا من حين لآخر بأنهم يقومون بعمل رائع حقاً.

هل تندهش إذا لم ينجح صنف من أطباق قائمة الطعام؟
لا، لأن قائمتنا تتغير يومياً لذا لا تصل إلى نقطة يمكن أن تعلم منها أن هذا الطبق ’’آه، لم ينجح‘‘. ونحن نتفق على ما نضعه من مكونات في الليلة السابقة للخدمة ولا نضع المكونات في طبق حتى يحين موعد التقديم في الليلة ذاتها. ولكننا في الحقيقة لسنا مطعماً يمتلك فريقاً من المفكرين، نحن مطعم يشعر بزبائنه وعن طريقه نحاول أن نلمس مشاعر الناس.

مشاعرك أقوى كثيراً من أي شيء يخاطب فكرك وعقلك

أهذا هو الهدف من ابتكار طبق ما؟ مردود عاطفي؟
في رأيي، مشاعرك أقوى كثيراً من أي شيء يخاطب فكرك وعقلك. هناك العديد من الأطعمة المتطورة اليوم، لذا إن كان ثمة مُكون لم تتذوقه من قبل فلا يمكنك الحكم عليه أهو جيد أم سيء، لأنه لا يوجد معايير تلجأ إليها. سيكون من قبيل الغرور قول: ’’هذا إعداد جيد لهذا الطبق‘‘، فليس لديك خيار سوى أن تطرح على نفسك سؤالاً بسيطاً: هل أعجبك أم لا؟ وإذا لم يعجبك، فغالباً لن تتذوق طبقاً آخر يحتوي على نفس المكونات، لذا لن تصل إلى نقطة يمكن أن تقول فيها إن هذا الطبق أفضل من سابقه.

لن يكون هناك معيار ثابت…
أجل، لأن كل طاهٍ يحاول ابتكار شيء جديد، لم يسبقه إليه أحد، مع مزيج من النكهات التي لم يجمعها أحد معاً من قبل.. وما عليك سوى أن تسأل نفسك: ’’هل أعجبني أم لا؟‘‘.

الطعام في حد ذاته ليس الهدف الوحيد من ارتياد المطاعم. وأظن أن المطاعم لم تعد تكترث بهذا المفهوم

ولكن هل تعود إلى الوراء وتنظر إلى أساطين الطهو مثل أوغيست إسكوفييه ومؤخراً غاي سافوي وتشعر أنك يجب أن تسير على دربهما وألا تحيد بعيداً عنهما لتكتشف أرضاً جديدة؟
حسناً، بعض زملائي لا يستوعبون هذا الأمر… نحن مطعم يذهب إليه الناس لتجربة عدة أمور مختلفة.

فكل منهم يريد تجربة صحبة الطرف الآخر، لأن أهم قرار تتخذه عند اختيارك لأحد المطاعم ليس ما يمثله لك هذا المطعم بذاته، ولكن مَن سيرافقك إليه. ويمكن لأحدهم أن يقلل من جودة وجبة ما على المائدة وهذا من شأنه أن يفسد التجربة كلها – فحينها تقول لنفسك: ’’لقد أمضيت وقتاً سيئاً، ولن أعود إليه أبداً!‘‘. وسبب هذا الشعور هم الحمقى الذين سببوا لك الضيق على المائدة. كما يمكن أن تنخرط في جدال مع شريكك. لذا ثمة أمور كثيرة تؤثر على تجربتك ونظرتك إلى الطعام. ويمكنك أيضاً أن تذهب إلى مطعم يقدم طعاماً رائعاً، وخدمة في غاية السوء وهنا تفكر: ’’لن أعود إليه أبداً‘‘.

والطعام في حد ذاته ليس الهدف الوحيد من ارتياد المطاعم. وأظن أن المطاعم لم تعد تكترث بهذا المفهوم. لقد أولينا للطعام أهمية قصوى لدرجة أننا فقدنا التواصل مع ضيوف المطعم. إنني أحترم الناس إن أولوا اهتمامهم بالطعام، ولكن ليس هذا كل ما أفعله في الحقيقة. نعود وننظر إلى المعايير ونتأكد من أننا نلمس الجانب العاطفي لرواد المطعم.

أحياناً تكون البساطةُ أفضل. إنك قد ترغب أحياناً في تناول شيء بسيط، ولكن طيب، مثل شطيرة مثلاً. وإذا قلنا إنك ستصنع شطيرة هذا المساء – فماذا ستفعل؟
ليس هناك أفضل من شطيرة شرائح اللحم والخس والطماطم. أضع في الخبز المحمص شرائح الخس المقرمشة والمايونيز الشهي والطماطم الجميلة واللذيذة. إنه طعام لا أستطيع مقاومته، وهي شطيرة مثالية في رأيي. أو ربما أصنع شطيرة من شرائح الديك الرومي في اليوم الذي يلي عيد الفصح. وهما شطيرتان بسيطتان وأستمتع بتناولهما حقاً.

إذا أردت تناول طبق نباتي فلا مشكلة، فمَنْ منا لا يستطيع طهو الخضراوات؟ لماذا تحرج إنساناً وتجعله يشعر بأنه غريب لمجرد أنه نباتي؟

إذاً، وعلى هذه الخلفية، لماذا تكلف الناس الكثير من المال نظير ثمانية أو تسعة أطباق في قائمة طعامك الشهية؟ إذا كانت مجرد شطيرة بثمن زهيد تمنحك متعة لا حد لها، فهل عليك أن تقدم شيئاً مميزاً لتبرر ارتفاع أسعار الطعام في مطعمك؟
تكلفة أي شيء تتعلق بأمور مختلفة. يمكن أن تربط التكلفة بالخبرة التي نتمتع بها، كما تتعلق بمكونات الطعام. هذا أشبه بأحدهم يقول لي: ’’لقد طهوت حساء البازلاء الليلة الماضية ولم تكن النتيجة كما توقعت‘‘، حسناً، أجل، لم تحصل على ما توقعت لأنه لا يمكنك الحصول على البازلاء التي أستخدمها أنا في طعامي.

لذا تعد العلاقات التي بيننا وبين المزارعين والصيادين وغيرهم، ذات أهمية قصوى. فعلينا أن نقدم لهم الدعم بوسائل لن يقوم بها سائر الناس وهذا ما يفعله الطهاة المهرة – يتعاونون مع المزارعين والصيادين وغيرهم ليحصلوا على المكونات التي يحتاجونها.

لذا، عندما تذهب إلى أي مطعم، ما الذي ستدفع المال من أجله؟ ستدفع مقابل العلم، والخبرة، ومهارات كل فرد من أفراد طاقم العمل ومقابل ما نسميه ’’الفخامة العفوية‘‘، فأنت محاط في هذا المطعم بكل عوامل الفخامة والترف ولكنك تشعر بالبساطة وعدم التكلف لأنه ليس به زيف أو ادعاء، وهذا مهم. فنحن لا نتظاهر بعكس الحقيقة، ولسنا متعالين. فنحن هنا لأجلك.

وإذا أردت طبقاً نباتياً إذاً لا مشكلة، فمَنْ لا يستطيع طهو الخضراوات؟ إنها أسهل شيء في هذا العالم فلماذا تقول لا لشيء كهذا؟ لماذا تحرج إنساناً وتجعله يشعر بأنه غريب لمجرد أنه نباتي؟ كلما كان مستوى المطعم جيداً، عمل أفراده أكثر على إرضاء الناس. كان العكس يحدث لزمن طويل، فكلما كان المطعم جيداً يقل احتمال حصولك على ما تريد، ولكننا على النقيض من ذلك الآن.

أما إذا فكرت في التكلفة، حسناً، أنا لا أعلم لماذا جرى تصنيف المطاعم على أنها غالية الثمن. حاول أن تحصل على تذكرة لعرض رواية هاميلتون على مسرح برودواي وستجد ثمنها ألف دولار أمريكي ولكنك ستقضي وقتاً ممتعاً لمدة ساعة ونصف. وإذا دفعت ألف دولار أمريكي في أحد المطاعم ستقضي وقتاً رائعاً أيضاً.

لا أعلم لماذا نحاول باستمرار وضع المطاعم في تصنيف مختلف عن أي مكان آخر…

لأنه ليس من السهل تصور الذهاب إلى المنزل ومشاهدة مسرحية غنائية، بينما بوسعك طهو الطعام في منزلك، وإن لم يكن في الغالب بنفس مستوى المطاعم؟
حسناً، ماسا تاكاياما، وهو واحد من أفضل طهاة السوشي في العالم، افتتح مطعماً في نيويورك بالقرب من مطعمي بير سي، ويوماً ما كنت أسير متجهاً صوب بير سي فرأيت رجلاً يقف خارج مطعمه وسألني: ’’أهذا مطعم ماسا؟ أهو هذا المكان الذي يُباع فيه السوشي بـ500 دولار؟‘‘، فرددت بالإيجاب، فسألني: ’’لماذا أدفع 500 دولار لأتناول السوشي في مطعمه بينما يمكنني أن أذهب إلى متجر هول فودز وأشتريه بتسعة دولارات فقط‘‘. وهذا هو لب المشكلة، أليس كذلك؟ لم يقدر الرجل المهارة والمعرفة والوقت ومصدر المنتج، هو فقط لا يفهم ذلك، لذا لن يقدر ماسا أبداً.

يجب أن نكون قادرين على الارتقاء بأنفسنا، سواء كان ذلك في الفن، أم الموسيقى، أم الموضة لأن الفئة العليا التي تملك الخبرة تؤثر دائماً على كل ما هو دونها

يجب أن نكون قادرين على الارتقاء بأنفسنا، سواء كان ذلك في الفن، أم الموسيقى، أم الموضة لأن الفئة العليا التي تملك الخبرة تؤثر دائماً على كل ما هو دونها. وإذا افتقرت إلى هذه الخبرة، يبدأ التدني والفشل في كل شيء.

إلي أين نتجه جميعاً في مجال المطاعم؟ أهناك وجهة ما نسير إليها؟ لقد ذكر العديدُ من الطهاة الذين تحدثت معهم في السنوات القليلة الماضية مفهومَ الاستدامة ولكن يبدو أن الحديث عنه قد هدأ قليلاً في الآونة الأخيرة.
لكن ما هي الاستدامة؟

حسناً، في دبي، على سبيل المثال، توقفت المطاعم إلى حد كبير عن تقديم سمك الهامور لزبائنها لأنه يتعرض للصيد الجائر…
بالطبع، لا يمكنك الإفراط في الصيد أو اللجوء إلى المزارع كثيفة الإنتاج. ولكن الناس يشكون من أنني أجلب اللوبستر من ولاية مين الأمريكية على متن الطائرات لأنه يسبب التلوث الكربوني، ولكن هذا هراء. شاهدوا المزارع السمكية. نقل الغذاء على متن الطائرات يسبب نسبة قليلة من التلوث الكربوني مقارنةً بالمزارع التي تسبب تلوثاً كبيراً ولا أحد يدرك حقاً هذه الأمور لأنهم لن يجعلوك تقترب منها. كان هناك عدد قليل من المقالات، والكتب، والأفلام الوثائقية التي تناولت هذا الموضوع ولكنها في الحقيقة لم تؤدِ إلى أي تغير ملحوظ رغم أن هذه المزارع تساهم بنسبة كبيرة في التلوث الكربوني ولست أنا الذي أضع 24 حبة لوبستر أسفل الطائرة التي تجلس أنت أعلاها وتدفع 300 دولار مقابل تذكرة الطيران بينما أدفع أنا 100 دولار في هذه الرحلة.

وهناك أيضاً فكرة المحلية – ما معناها؟ حدد لي ما هو المحلي. معظم الناس ربما يستخدمون بعض المراجع الجغرافية لشرح هذا المفهوم ولكن ما هو؟ هل المحلية تعني ما يوجد على بعد 25 ميلاً مثلاً؟ أم 100 ميل؟ ليس لدي فكرة.

العالم كله ينضوي تحت وصف المحلي في دبي، فكل شيء تقريباً يتم جلبه إليها بالطائرات.
هذا ما أعنيه. سيقول لك الناس في محاضرة أو مؤتمر أنك لا تستطيع أن تشتري شيئاً من مكان يبعد عنك بأكثر من 50 ميلاً. ولكن لا مانع من أن تشرب فنجاناً من القهوة المصنوعة من حبوب تم زراعتها في أمريكا الجنوبية، أما السكر فعلى الأرجح مستخرج من بنجر السكر الذي يزرع في مونتانا، لذا أرجوك لا تحدثني عن المحلية!

يجب علينا أن ندعم الأفراد الذين يزرعون طعامنا بغض النظر عن موطنهم
لكن في الوقت ذاته، إذا كان هناك مزارع يزرع الجزر على مسافة في حدود 50 ميلاً، ولكنه لا يهتم بأساليب زراعته ولا يكترث بالجزر ولا المرافق ولا الأرض ولا العميل ولا أي شيء، وهو بالنسبة له هو مجرد جزر، هل أُرْغم على الشراء منه لأنه جزر محلي؟ ولكن إذا كان أحدهم يزرع على بعد 51 ميلاً أكثر ثمار الجزر روعةً ويعتني بأرضه، فأنا إن لم أشترِ منه فحتماً ستبور تجارته. فأي منهما يجب علينا دعمه؟ يجب علينا أن ندعم الأفراد الذين يزرعون طعامنا بغض النظر عن موطنهم.

ويجب أن نشير أيضاً إلى الجانب السياسي. هل أشتري الكافيار الإيراني؟ أو هل يجدر أن تشتريه لمطعم؟ لقد صاده واحد من أولئك الصيادين الذين يكسبون قوتهم منه. أفهم المسائل السياسية التي بين إيران وأمريكا، ولكن في النهاية، هو إنسان وأنا إنسان ولسنا سياسيين. وإذا أردت أن آكل الكافيار الممتاز الذي يصيده، فلا خطأ في ذلك.

ليس لزاماً علىّ أن أستبعد شيئاً من قائمة طعامي لأن بعض الحمقى يمارسون الصيد الجائر؛ هذا عملهم ويجب أن يجتنبوه

المجتمعات هي من جوانب الاستدامة أيضاً ويجب أن تفكر في ذلك. فأنا أشتري اللوبستر من شركة ستوننغتون لوبستر الكائنة بجزيرة دير في ولاية مين وهم جزء من مجتمع صغير للمزارعين، والمدرسين، والصيادين، وغيرهم، وإذا تعين عليهم أن يبيعوا منتجاتهم محلياً فقط فإن ستونينغتون لوبستر ستختفي من الوجود. وهؤلاء الصيادون يفهمون ذلك ويقدرون إمكاناتهم في إدارة صيدهم لضمان أن تكون كلها مستدامة. لا يجب أن تثير الاستدامة مخاوفي. مَنْ عليه الاهتمام بالاستدامة هم الأفراد الذين يشتري منهم الطهاة منتجاتهم. وليس لزاماً عليّ أن أستبعد شيئاً من قائمة طعامي لأن بعض الحمقى يمارسون الصيد الجائر؛ هذا عملهم ويجب أن يجتنبوه. وإذا كان عليّ أنا مراقبة الاستدامة في المحيطات، فما هي وظيفة الآخرين؟

كيف ترى شكل قوائم طعامك في المستقبل؟ هل تحاول باستمرار ابتكار شيء جديد؟
ليس هناك شيء جديد. قل لي ما الجديد؟

الشيف فيران أدريا ابتكر أشياءً جديدة، وأنا متأكد أنك لو ذهبت إلى مطعم فات دك الذي يملكه الشيف هيوستن بلومنثال، فستجد شيئاً جديداً لم تتذوقه من قبل في أي مكان آخر.
بالتأكيد، أنا أعرف هيوستن ولكن ما يفعله ليس جديداً، هو فقط يعيد تفسير ما هو قديم. يعثر هيوستن على الإلهام من التاريخ، وأحياناً الكتب، وأحياناً أخرى من القصص الخيالية. وطريقة طهوه لحساء الكونسوميه، على سبيل المثال –أنت تصب الماء الساخن على المكوِّن الرئيسي فيها فيتحول إلى حساء الكونسوميه الشهي– ولكن مكعبات المرق معروفة منذ عشرات السنين، وهو فقط يعيد تقديمه. أنا أحب هيوستن، وهو رجل ذكي للغاية وأحد أعز أصدقائي ومطعمه من ناحية التطور في مطبخه قد يكون أكثر ما أقدره، ولكنه لا يتسم بهذا القدر من التطور إذا فكرت في ذلك ملياً. فقط ذكاء في طريقة التقديم.
وبم اشتهر فيران أدريا؟ بالرغوة؟

أجل في الغالب…
وبم اشتهر فيران أدريا؟ بالرغوة؟ أحقاً يعتقد الناس بأن هذا جديد؟ كم مرة تناولت الكابوتشينو؟ الرغوة موجودة في الكابوتشينو منذ أجيال. أنت تتأثر بما تراه حولك وتستمد منه الإلهام، ولكن هذا لا يجعل منه شيئاً جديداً وهذا ما يجب إدراكه. لا شيء أفعله يعد جديداً. ما نحاول أن نقوم به هو أن نبحث عن التأثير والإلهام، ولكن الإلهام لا يحدث سوى مرات نادرة في الحياة. كم مرة شعرت فعلاً بالإلهام؟ أعتقد أنني لم أشعر بالإلهام سوى ثلاث أو أربع مرات في حياتي بأسرها.

وبم اشتهر فيران أدريا؟ بالرغوة؟ أحقاً يعتقد الناس بأن هذا جديد؟ كم مرة تناولت الكابوتشينو؟

إذاً أنت مجرد جزء من قائمة طويلة من الطهاة الذين يواصلون مسيرة الطهو؟
يجب أن تنتبه إلى كل ما يحيط بك لكي يأتيك الإلهام ولا بأس في هذا، ولكني لا أعتقد أن أحداً أبدع شيئاً في الحقيقة، رغم ما تظنه وكيف وصل العالم إليه، لأنه لا جديد وأي شيء يظهر كان موجوداً من قبل…

أنت فقط تعيد تقديمه…
هذا صحيح، وأقوم بمختلف الأساليب للتلاعب به، وهذا حسن. لكن هذا طعام، ما الجديد في الطعام؟ بالتأكيد، يمكنك خلط اليوسفي مع الليمون وعمل مزيج، ولكنه ليس طعاماً جديداً تماماً.

وأخيراً، هل تقول لنا رأيك في المناقشات التي تدور حول الفاصوليا المخبوزة وما إن كان لها مكان في طبق المقليات؟
أوه، أتطلع إلى تناول الإفطار في المملكة المتحدة وأتذوق الطبق المقلي المشكل بسبب الفاصوليا المخبوزة أساساً. في أمريكا نشأنا على تناول الفاصوليا المخبوزة وبالعودة إلى حيث بدأنا حديثنا، هذا يعد معياراً لما اعتدنا عليه. فاصوليا في طبق طعام مقلي مشكل؟ لا مانع لدي، هي من الأطعمة الأصيلة التي أرى أن المملكة المتحدة تنفرد بها. ثمة قدر معين من مشاعر الحب تجاه مثل هذه الأمور، وهناك يظهر التاريخ والتقاليد. وأنا أعشق ذلك.

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع