عندما أعارت المملكة العربية السعودية لاعبيها إلى الأندية الإسبانية، أثار ذلك استغراب الكثيرين، وكان هدفها من وراء ذلك تطوير مهارات لاعبي .منتخبها استعداداً للمشاركة في نهائيات كأس العالم لكرة القدم
حين جرى الإعلان عن ذلك، من الأمانة القول ألّا أحداً تقريباً في مدينة فياريال الصناعية -التي تبعد مسافة ساعةٍ بالسيارة إلى الشمال من إقليم فالنسيا على الساحل الشرقي لإسبانيا- قد سمع اسم اللاعب سالم الدوسري من قبل. ولكن في صباحٍ شتويٍ مشرقٍ وبارد من يناير، كان كلُّ ذلك على وشك أن يتغيَّر؛ فأمام غرفةٍ مليئة بالصحفيين، تمَّ تقديم لاعب الوسط ذي الـ26 ربيعاً إلى العالم بوصفه أحدث لاعبٍ يوقع عقداً مع نادي فياريال. لقد كانت لحظةً تاريخيةً. ويمكن النظر إلى فريق فياريال على أنه وبجدارة واحدٌ من أفضل الأندية الرياضية في أفضل دوريٍّ كرويٍّ في العالم، كما يُقال. ويحتلُّ النادي المرتبة الخامسة في الدوري الإسباني المعروف باسم “لا ليغا” ويطمح لتحقيق مركزٍ متقدمٍ في دوري أبطال أوروبا، ويشتهر بأطقمه وأدواته المبهرة ومشجِّعيه شديدي الحماس ولقبه الأيقوني: الغواصات الصفراء. وهنا كان النادي يكشف النقاب على الأغلب عن أول لاعبٍ من المملكة العربية السعودية يلعب في دوري “لا ليغا”. وعلى الرغم من تأهلهم أكثر من مرة لنهائيات كأس العالم لكرة القدم ولعبهم في دوري محلي ينعم بتمويل قوي ويشهد إقبالاً جماهيرياً واسعاً، لم يسبق للاعبين السعوديِّين الاحتراف خارج السعودية. فقط الهدَّاف الأسطوري سامي الجابر، الذي خاض منافسات كأس العالم أربع مرات وسجل أهدافاً في ثلاثةٍ من نهائياتها، حظي بفرصة الانتقال للعب في نادٍ أوروبيٍّ كبير، إلا أنَّ الخمسة شهورٍ التي قضاها في نادي وولفرهامبتون واندرز عام 2000 أُنهيت قبل موعدها من قبل ناديه الهلال السعودي، ولم يسجل خلالها أيَّ هدف.
والآن وبعد مضي نحو عقدين من الزمن، يسعى لاعبٌ آخر من نادي الهلال لتحطيم ذاك الرقم القياسي. وإن كان يمكن للاعبٍ النجاح في نخبة الأندية الأوروبية، فذاك اللاعب هو حتماً الدوسري، لاعب الجناحٍ المذهل الذي هو على الأرجح الأكثر موهبةً في المنتخب السعودي. ومن خلال مترجمٍ فوريٍّ، أخبر حشدَ الصحفيين أن هذا كان حلمه؛ أن يلعب في إسبانيا. لقد شاهد عددٌ هائلٌ من الناس البثَّ المباشر لمؤتمره الصحفي عبر شبكة الإنترنت ما سبَّب تعطُّل الموقع الإلكتروني لنادي فياريال.
ومع ذلك، فإنَّ الكشف عن خبر انتقال الدوسري لم يكن تماماً كما بدا عليه، إذ أثار المؤتمر الصحفي الذي عقده نوعاً من الجدل في إسبانيا مردَّهُ صفقةً مالية، مثَّلت للبعض تجربةً فريدة ودليلاً على أن السعودية تُشرِّعُ أبوابها أمام العالم، وبالنسبة للبعض الآخر مثَّلت مثالاً للرياضة التي تتحكم بها الأموال.
وفي أكتوبر الفائت، أعلن كلٌّ من الاتحاد العربي السعودي لكرة القدم والهيئة العامة للرياضة، الجهة الحكومية التي تدير الرياضة في المملكة، شراكةً فريدة من نوعها؛ فمع دوري “لا ليغا”، تقرر أن تعير السعودية نخبة من نجومها إلى إسبانيا بهدف تطوير مهارات لاعبيها قُبيل نهائيات كأس العالم 2018 المزمع إقامتها هذا الصيف في روسيا.
تتمتع السعودية بتاريخٍ حافلٍ بالمشاركة في نهائيات كأس العالم التي ينظِّمها الفيفا؛ ففي بطولة عام 1994 التي جرت بالولايات المتحدة الأمريكية، أصبح منتخبها أول فريقٍ من الشرق الأوسط يصل إلى مرحلة خروج المغلوب (دور الـ16). وخلال مشوارها ذاك، سجَّل سعيد العويران أحدَ أهمِّ الأهداف في تاريخ البطولة. إلا أنَّ الأمور لم تجر على ما يرام خلال الدورتين السابقتين، إذ لعب المنتخب السعودي ست مبارياتٍ مُني خلالها بخمس هزائم، بما فيها هزيمة ساحقة عام 2002 على يد المنتخب الألماني الذي أدخل ثمانية أهداف في مرمى السعودية دون أن يهزَّ شباكه أيُّ هدفٍ بالمقابل. ولكن هذه المرة، قرَّر الاتحاد السعودي أن تجري الأمور على نحوٍ مختلف، فقد تمَّ وضع خطة عمل وتوقيع اتفاقية إلى جانب إرسال مستكشفي المواهب من الدوري الإسباني لمشاهدة مباراتين وديَّتين للمنتخب السعودي الوطني في البرتغال، كما أنَّ العشرات من مستكشفي المواهب الآخرين قدموا إلى الرياض لمشاهدة مباريات الدوري السعودي للمحترفين وأداء لاعبيه على أرض الواقع.
وفي نهاية المطاف، وقع الاختيار على تسعة لاعبين. وفي حين تقرر أن يلعب ستةٌ منهم لصالح فِرَق إسبانية من الدرجتين الثانية والثالثة، اتجه ثلاثة لاعبين مباشرةً إلى فِرَق الدرجة الأولى [الممتازة] في الدوري الإسباني، وهم: فهد المولد في نادي ليفانتي، ويحيى الشهري في نادي ليغانيس، والدوسري في نادي فياريال.
قال الدوسري عندما التقيته في ملعب التدريب التابع لنادي فياريال: “أريد التعلُّم من أخطائي والوصول إلى مستوىً عالٍ من الأداء، فأنا لا أمثِّلُ نفسي وحسب، بل أمثِّلُ المملكة العربية السعودية”.
لم يمض أكثر من عدة أيامٍ على مجيء الدوسري إلى المدينة وتدرَّب ثلاث مراتٍ فقط. ويحاول الاعتياد على المأكولات، ويبحث عن مسجدٍ في المدينة ليتمكن من حضور صلاة الجمعة، ولكنه أيضاً صاحب طموحٍ ويتحدث عن وصوله إلى المدينة الإسبانية عن جدارة واستحقاق، فهو يأمن بأن لديه من المؤهلات ما يكفي لينافس في كرة القدم الإسبانية. ولدى سؤاله ما إذا كان قد شعر بأنه مستعدٌّ للعب على أرض الملعب ذاته الذي وطئه كريستيانو رونالدو، أجاب: “لن أصل إلى مستوى اللاعبين اللامعين ذاته بين ليلةٍ وضحاها، فأنا أحتاج إلى التدرُّب كلَّ يوم، وأنا مستعدٌّ لذلك”.
موضوع متصل: رحلة أسطورة كرة القدم مارادونا من هدف ’يد الله‘ إلى أن أصبح ابناً باراً للإمارات
كما تمثِّل الصفقة أيضاً أمراً أهم بكثير، فقد بدأت المملكة تحت قيادة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، نوعاً من ثورةٍ ثقافية، إذ سُمِحَ للمرأة السعودية بقيادة السيارة أخيراً، كما سيجري إعادة افتتاح دور السينما، وفي يناير أُعلن أنه سيتمُّ السماح للنساء بحضور مباريات كرة القدم للمرة الأولى في تاريخ المملكة. إنَّ انتقال اللاعبين السعوديين بأعداد كبيرة إلى أندية لم يسبق لأحدٍ منهم فعلياً الانتقال إليها يبعث برسالةٍ هامة، ألا وهي: أن “الأمور تتغير نحو الأفضل بالتأكيد”، هذا ما يعتقده الدوسري.
هناك انتقاداتٌ طالت الصفقة، إذ يعتقد اتحاد اللاعبين الإسباني أنها تضع التجارة وليس الموهبة في المقام الأول. ولا ريب أن اتحاد الكرة الإسباني والأندية التي ضمت لاعبين سعوديين مُعارين لم يُخفوا رغبتهم في استغلال إمكانيات سوقٍ ضخمة جديدة. فلدى السعودية نفاذٌ واسعٌ على شبكة الإنترنت، كما أن مشهد وسائل التواصل الاجتماعي فيها صاخبٌ جداً، ويمكن رؤية المزيد من الدلائل على ذلك عبر تحديثات حسابات أندية ليفانتي وليغانيس وفياريال على موقع تويتر، إذ تُغرق كلَّ منشورٍ من منشوراتهم ردودٌ وتعليقاتٌ سعودية.
ولكن التجربة الآن قد أصبحت واقعاً ملموساً. وإلى حدٍّ ما، سيحدِّد مقدار الوقت المؤثر الذي يحصل عليه اللاعبون الثلاثة على أرض الملعب مدى نجاح هذه الصفقة الفريدة. يقول المولد: “الدوري هنا في غاية الصعوبة، فهو أسرع بكثير”. وقد تمَّ استبعاده من قائمة الفريق خلال مباراته الأولى، التي انتهت بالتعادل هدفين مقابل هدفين أمام فريق ريال مدريد، ولكن هو أيضاً يعتقد بأنه سوف يتأقلم، يقول: “إنه أمرٌ صعبٌ للغاية، ولكني سأبذل قُصارى جهدي”.
ولكن في نهاية المطاف، سيكون أداء المنتخب السعودي خلال بطولة كأس العالم لهذا العام هو الحكم والمعيار الحقيقي لمدى نجاحه. ولن يكون هناك منصة أفضل منها لاختبار لاعبيه. وسيواجه الصقور الخضر المنتخب الروسي في المباريات الافتتاحية التي ستجري في ملعب لوجنيكي بالعاصمة موسكو يوم 14 يونيو. وإلى الآن، حصلت الأندية الإسبانية على ما أرادته، بينما ينتظر المشجعون السعوديون أن يصنع لاعبوهم المجد.
ثلاثة لاعبين عرب جديرون بالمتابعة
حكيم زياش: شارك لاعب خط الوسط المهاجم في فريق أياكس في مباراته الأولى لمنتخب المغرب عام 2014 – على الرغم من كونه قد ولِد في هولندا ويمثِّل ذلك البلد على الصعيد الدولي. يتمتع بمهارات فنية جيدة، ويشكل خطراً في الضربات الحرة، واحتمال تسديده أهدافاً يوازي قدرته على توفير فرصٍ للتسديد للاعب آخر في الفريق. ولأنه يلعب في الغالب في خط الوسط أو كجناح أيمن، فقد كان مركز معظم هجمات المغرب الكروية.
محمد صلاح: اللاعب المصري الغني عن التعريف والفائز بجائزة أفضل لاعب أفريقي للعام التي يقدمها الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف). ويعيش حالياً ذروة نجاحه الاحترافي؛ فقد كان الهدَّاف الأول برصيدٍ خمسة أهداف خلال المنافسات المؤهِلة لكأس العالم لكرة القدم، بما فيها الهدفان اللذان أحرزهما في المباراة الحاسمة أمام الكونغو والتي فاز فيها المنتخب المصري بهدفين مقابل هدفٍ واحدٍ للكونغو، وهو الفوز الذي تأهل بفضله الفراعنة لخوض نهائيات كأس العالم لكرة القدم منذ العام 1990. وإن كانوا سيحققون أيَّ إنجازٍ ملموسٍ، فمن المرجَّح أن يأتي عن طريق هذا اللاعب.
رمضان صبحي: يبلغ هذا اللاعب المصري 21 عاماً فقط من العمر، ورغم ذلك يخوض منافساتٍ قوية في هذا الموسم من الدوري الإنجليزي الممتاز ضمن صفوف فريق ستوك سيتي بعد انتقاله إليه من صفوف النادي الأهلي المصري في بداية الموسم الفائت. وقد لعب بشكلٍ لا يقلُّ نجاحاً عن أقرانه في الدوري الإنجليزي، وهو ثاني أصغر لاعب في المنتخب المصري -إذ شارك في أول مباراةٍ له في عمر الـ18- كما شارك إلى الآن بتسع عشرة مباراةٍ دولية. ومع وجود محمد صلاح على الناحية الأخرى من الملعب، يمكن أن تحظى مصر بفرصةٍ رائعة لتحقيق إنجازاتٍ مهمة ضمن مجموعتها.
بقلم: جيمس مونتاغ، تصوير: ديفيد هوسكينس
نُشِرَ للمرة الأولى على صفحات عدد ربيع وصيف 2018 من ڤوغ العربية للرجل.