ثمّة مجموعة متزايدة من المطاعم تسهم في تعريف أبناء لندن إلى التاريخ المشترك -وكذلك الأذواق المشتركة- مع الشرق الأوسط.
“الطعام في لندن؟ إنه الأفضل على مستوى العالم أجمع”.. هذا ما قاله لؤي روماني، وهو مصرفيٌّ سوري تحوَّل إلى رائد أعمالٍ في مجال المأكولات والمطاعم، وأضاف: “وبالنسبة للمطاعم التي تقدم أصناف المطبخ العربي حول العالم، فإنها أفضل الأماكن لتناول الطعام خارج منطقة الشرق الأوسط، فجودة المأكولات هنا مثيرة حقاً للإعجاب”. ولكن، لم تكن الأمور هكذا على الدوام؛ ففي حين كانت منطقة ادجوير رود تُعرَف في الخمسينيات باسم بيروت الصغيرة، انطلقت موجات هجرة عربية بشكل أكثر كثافة خلال فترة الازدهار الناجم عن النفط خلال السبعينيات – ومعهم أتت أطعمتهم، والتي كانت في ذلك الوقت في منتهى الغرابة بالنسبة للذوق البريطاني. “على حدِّ علمي، كان أول مطعمٍ ترك بصمة حقيقيّة هو Fahradine في حديقة غرين بارك”، يقول محمود الخليفاوي المدير العام لمطعم إشبيلية في حي مايفير، وهو واحدٌ من أرقى المطاعم اللبنانية في المدينة. ويردف بالقول: “افتُتِح في السبعينيات وكان يتردَّد عليه بصفة أساسية العرب في لندن وكذلك الأمريكي الذي يشتهر بطابعه الغريب. وحقق المطعم سمعة طيبة، فقد كان المكان الذي تقصده العائلات الملكية”. ومع زيادة أعداد الزوَّار من الشرق الأوسط، تزايدت معهم أعداد المطاعم. افتتح والدي، محمد الخليفاوي، مطعم إشبيلية عام 1998، ومنذ ذلك الحين شهدنا افتتاح المزيد من المطاعم. وقد تصاعدت شعبية الأطعمة [التي نقدمها كعرب] وأصبحت ذات جاذبية عالمية، مدفوعةً بحب سكّان المملكة المتحدة وكذلك السيَّاح الذين يرغبون بتذوق أطباقنا”.
موضوع متصل: دليل الشيخ خالد القاسمي لزيارة أفضل الأماكن في لندن
توسَّعت طاقة مطعم إشبيلية الاستيعابية من 45 مقعداً في بداية افتتاحه ليشتري مؤخراً العقار المجاور له ويقوم بتقديم الطعام لحوالي 140 شخصاً. “كان في وسعنا افتتاح فروع أخرى، لكن والدي أراد الحفاظ على مستوىً عالٍ من الجودة – والطريقة المثلى للحفاظ على معايير عالية هي التمسّك بمطبخٍ وحيد”. وفي حين ازداد عدد المطاعم، إلا أنَّ المطبخ العربي بشكل عامٍ ما يزال معروفاً ويمكن تمييزه. وهذا يعود لعدة أسباب منها أنَّ الأذواق البريطانية توسَّعت نحو الخارج بحثاً عن كل ما هو غريب، وكذلك لأنَّ معايير الطبخ عالية.
يقول الخليفاوي: “في لندن، حافظ مشهد أطعمة الشرق الأوسط على تقاليده، مازلنا نقدم الأطباق ذاتها التي نقدمها منذ سنين، وما يزال أبي هو الشيف، ولا يرغب حقاً في الحديث عن دمج قائمة الأطباق [بأطباق أخرى] أو تحديثها. نقوم بما نُحسن القيام به وعلى أكمل وجه، وما زلنا نستورد 70% من المكونات من سوريا. لا أحبُّ حقاً استعمال كلمة ’رائج‘ ولكن المأكولات التي نقدمها أصبحت أكثر شهرةً”. أصبح المطبخ الشرق أوسطي أكثر من رائجٍ في العاصمة؛ فكلُّ موقفٍ للقطار يقع قرب مقهى لبناني، وكلُّ متجرٍ يبيع سلطاتٍ مع أصناف مختلفة من الفلافل والبرغل والحمُّص. ومطاعم الدجاج المحمَّر بمنطقة شورديتش تقدّم أصناف البسطيلة المغربية، أما المطاعم الراقية، مثل مطعم ماركوس ويرينع الحائز على نجمتيّ ميشلان، فتقدِّم لحم الضأن المتبَّل (والحلال) على الطريقة العربية كنموذج للتذوق على قائمة طعام خاصة. وهناك أسباب عديدة لهيمنة أصناف الطعام الشرق أوسطي الواضحة، وفق ما قاله روماني الذي أسَّس مشروعه لتوصيل طلبات الطعام والطهو في 2015، والذي أضاف: “طعامنا ليس متكلّفاً، بل يدور حول المشاركة، ورفع التكلُّف والطابع الرسمي المبالغ فيه، بالإضافة إلى تميُّز تجربة تناوله – وهو صحيِّ”، وأردف: “خذ على سبيل المثال حبةً مثل الفريكة، إنها شيءٌ يمكن أن تطبخه جدتي لذا هو ليس بتلك الإثارة، ولكن بالنسبة للناس في المملكة المتحدة، ممن يكتشفونها الآن، فهي طعامٌ صحيٌّ وجديدٌ ومثير”.
تجلب الأطعمة العربية معها قصصاً تُروى، الأمر الذي يسحر الناس الذين يعيشون في المدينة. يقول روماني: “أقمنا مؤخراً أمسية تحتفي بالأطعمة والثقافة السورية في متحف لايتون هاوس”، ويضيف: “لم نقدِّم الأطعمة فحسب، بل قدمنا أيضاً نبذة عن منشأها وتاريخها”. وقد نفدت جميع تذاكر الفعالية في غضون ساعاتٍ من عرضها للبيع. ويعتقد الكاتب البريطاني المتخصص بمجال الطعام، جوش باري، أنَّ التجربة حاسمة بالنسبة لرواج المطبخ وشعبيته. يقول: “لا أحد يرغب في أن يتمَّ إجلاسه إلى طاولة ذات غطاء رسمي وأن يُطعمه نادلٌ متعجرفٌ لُقُماتٍ صغيرة”، ويضيف: “ذاك النموذج يضمحل في المدن الحديثة. إنَّ كرم الأطعمة الشرق أوسطية ومظاهر المتعة والمشاركة المرتبطة بها تناسب تماماً مرتادي المطاعم من الشباب وصغار السن، والذين يرغبون بالحصول على ما هو أكثر من مجرد وجبة، هم يريدون قضاء وقتٍ ممتعٍ”. يقول باري إنه ما يزال على لندن إدراك قيمة حُسن الاستقبال وكرم الضيافة اللذين تمتاز بهما المطاعم الشرق أوسطية. “هناك اتجاه سائد نحو جعل الطعام أكثر ديمقراطيةً من خلال إقدام الأماكن العصرية وحانات البرغر على تقديم أطعمة ميسورة الكلفة وذات جودة عالية، إلا أنَّ تلك الأماكن لا تزال تتمتع بشيء من الحصرية والانغلاق، في حين أنَّ المطاعم العربية تقدِّم كرم الضيافة وحُسن الاستقبال كما ينبغي. عندما تزور أماكن مثل الواحة أو هُني آند كو أو موموز، ستجد متعةً في تناول الطعام وستشعر بالتقدير كزبون. وبذلك تقدم هذه الأماكن ما يفوق ما سواها”. ولكن من الآثار السلبية المحتملة مع زيادة شعبية تلك الأطعمة مؤخراً هو أنه، وخلال إدخالها ضمن أصناف الطعام السائدة، يتمّ تحويلها إلى أطباق بعيدة كل البعد عن تلك الأصلية. تقول ريم قسيس، مؤلفة كتاب المائدة الفلسطينية، ضاحكةً: “هناك ميلٌ إلى رشِّ الزعتر أو الرمان، لنقل على سلطة الخضراوات، ومن ثمَّ تسميتها طبق ’عربي‘”، وتردف بالقول: “مشهد المطاعم في مدينةٍ مثل لندن يستلزم منافسةً ضاريةً. أصحاب المطاعم يرزحون دوماً تحت ضغط إبقاء أطعمتهم طازجة ومثيرة للشهية، وهذا ما يدفع المشهد نحو الأمام، ولكنه يعني أيضاً أنه قد ينتهي بك المطاف بأطباق تدَّعي أنها شرق أوسطية، ولكنها ليست كذلك. يمكن أن يكون مذاقها رائعاً، ولكنها ليست مأكولاتنا في حقيقة الأمر. وهل ذلك مهمٌّ في النهاية؟ لا، أبداً. يجب أن نفخر حقاً بمأكولاتنا وكيف يمكن أن تُشعِر الكثير من الناس بمتعة المذاق”.
على المائدة
مطعم لو باب
حصد مطعم لو باب، الذي تأسس عام 2016 بوصفه أول مطعمٍ متخصِّصٍ في الكباب بمدينة لندن، الكثير من الإطراء والمديح بفضل طبقه “لُقمة” (كعك) المحشو ببارفيه كبد الدجاج الكريمي الشهي. وسرعان ما أصبح هذا المطعم من الوجهات المفضلة لدى أبناء المنطقة. Eatlebab.com
مطعم فيلاز ماما
افتتحت البحرينية رؤيا صالح هذا المطعم البحريني التقليدي العام الماضي. وفضلاً عن أصناف السلطة والسمك الفاخرة التي يقدمها على الغداء، أصبح المطعم معروفاً أيضاً بفضل وجبات فطوره الشهية. Villamamas.com
مطعم يلا يلا
سلسلة جديدة مؤلفة من مطعمين صغيرين ولكن شهيرين يقدمان أطباقاً ذات نكهات قوية من أطعمة شوارع بيروت بأسعار معقولة. ويقدم فرعه الواقع في حي سوهو طبق الكبّة النيَّة الرائع. Yalla-yalla.co.uk
ومطعم آخر عريق ومفضَّل…
مطعم مروش
يحافظ مطعم مروش، وهو أحد المطاعم اللبنانية العريقة في لندن والذي تأسَّس عام 1981، على شعبيته الكبيرة بفضل أطباق المزَّة (المقبلات) الطازجة للغاية التي يقدمها. ويتناول فيه النجم توم كروز طبق أجنحة الدجاج في كلِّ مرةٍ يزور فيها المدينة. Maroush.com
نُشِرَ للمرة الأولى على صفحات عدد ربيع وصيف 2018 من ڤوغ العربية للرجل.
بقلم جون هورسلي