لم يؤّسَّس نادي ’مستر أربيل‘ للعبث وإضاعة الوقت.. حقيقة يقرّها الواقع. وإن كنت بصدد إقامة جلسة تصوير، هناك خلفيات وضعها أسوأ بكثير من القلعة القديمة بمدينة أربيل العراقية التي رغم توقف أعمال برنامج الترميم المقرَّر لها، لا تزال تتمتع بمظهر مذهل ومثير، ولذلك وقع عليها اختيار مجموعة من الشباب الأكراد المتأنقين كخلفية لجلسة تصوير احترافية.
يشكل هؤلاء الشباب الأنيقون ما يُعرف باسم ’مستر أربيل‘، وهو نادٍ جديد -وحسب ادعائهم، أول نادٍ- للرجال في عاصمة الإقليم الكردي المستقل إدارياً في شمال العراق. وتقع أربيل على بعد أقل من 80 كيلومتراً من الموصل، وقد عانت لسنواتٍ طويلة من ويلات عنف المتطرفين ووصل الاقتصاد فيها إلى ركودٍ شبه تام. وفي هذا السياق، تم إطلاق نادي ’مستر أربيل‘ العام الماضي، وذلك عندما اجتمع مجموعة من الأصدقاء المحبين للأناقة حول كؤوس الشاي والشيشة وأنشأوا صفحة على انستقرام ملؤوها بصور البذلات الرسمية والتعليقات التوضيحية.
ومنذ ذلك الحين، تحوَّل نادي ’مستر أربيل‘ إلى ظاهرة أحدثت ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي. ويؤمن أعضاؤه المهتمون للغاية بعالم الأناقة بالمساواة بين الجميع، حيث تضم صفوف المنتسبين إلى النادي ميكانيكيين وطلاباً وأطباء ومعماريين ومهندسين وحلاقين وأصحاب محال تجارية – ومن بينهم: عمر نهاد، وغوران بشتوان، وأحمد نوزاد، ونوار الزيات.
وتتصف أزياؤهم بنوعٍ من الرقي المعزز بالراحة والاسترخاء، ومنها: قمصان وبذلات رسمية، وبنطلونات خفيفة من الفانيلا وأخرى من التويد الخشن، وكنزات وسترات فضفاضة. كما تتضمن إطلالاتهم سلاسل للساعات، وقفازات جلدية، وأحياناً يحملون مظلات. ويظهر في بعض إطلالاتهم أيضاً تقديرٌ للتراث والمجتمع، حيث تعتنق الأهداف المعلنة للنادي ليس فقط الحسَّ العالي في الأناقة، بل أيضاً قيم العدالة الاجتماعية وحقوق المرأة والسعي لإبراز صورة مسالمة لوطنهم.
يقول نادي ’مستر أربيل‘، الذي يصرُّ على التعامل معه ككيان واحد وليس كمجموعة من الأفراد: ’’نؤمن بأن الموضة يمكن أن تحدث تغييراً، لأنه بإمكان المرء تجسيد صورته بالطريقة التي يرغب بها في المجتمع، ما يمنح نوعاً من الحرية للأفراد في التعبير عن أنفسهم‘‘.
ويضيف: ’’وليس بالضرورة أن يتوافق الجميع مع أسلوب الملابس التي ترتديها. لقد قمنا بعمل رائع إذ جذبنا اهتمام أشخاص من جميع أنحاء العالم لأننا قمنا بشيءٍ جديد في مجتمعنا – وهو جمع الرجال المهتمين بأناقة مظهرهم‘‘.
وهذا حقاً ما يفعلونه حيث يظهرون بإطلالات أنيقة. ومن أجل قضاء أمسية اعتيادية في الخارج، يكفي ارتداء بذلة بسيطة أو سترة رياضية ترافقها أوشحة، إلا أن الأمر يتطلب أزياء لافتة أكثر عندما يتعلق بجلسة تصوير أو منشور على انستقرام، بالنظر إلى عدد متابعي النادي البالغين 87 ألفاً. وتظهر في إطلالاتهم بتلك الصور بناطيل تشينو، وكنزات بياقات عالية، وصدريات، وقبعات نيوز بوي، ودراجات هوائية.
ويستقي النادي جُلَّ إلهام الأناقة الخاصة بأفراده من فعاليات بيتي أومو، وهو حدث يقام مرتين كل عام في فلورنسا يختص بالموضة والأزياء الرجالية، إلا أن النادي يهتم أيضاً بالثقافة الكردية التقليدية ويركز على الأناقة المترفة واللافتة.
ويطمح نادي ’مستر أربيل‘ في نهاية المطاف إلى إنتاج ملابس فخمة يدوية الصنع على أعلى مستوىً من الجودة. ويجري الآن إنتاج أول مشروعٍ للنادي، وهو عبارة عن ربطة عنق مصنوعة من نسيج من شعر الماعز يدعى كرّ، إلا أنَّ خطط تصميم بناطيل وصدريات وإنتاجها قد توقفت بسبب ’’عدم توفر مهارات كافية لدى الخياطين المحليين‘‘.
ودعم الخياطين أمرٌ في غاية الأهمية، تماماً مثل تحفيز الاقتصاد المحلي. نهاد هو مؤسِّس ’رِشن‘، وهي شركة تعنى بمستحضرات العناية الشخصية للرجال ومتخصصة بإنتاج زيوت العناية باللحية، وشمع الشارب، والأمشاط والفرش متعددة الاستعمالات الخاصة باللحى. وإن بدا الأمر برمته أشبه قليلاً بأسلوب هواة الجاز في الأناقة، فقد يكون كذلك، ولكن التاريخ الكردي يزخر بالرجال ذوي اللحى والشوارب المفتولة.
لقد ساهم موقع انستقرام في تعزيز شهرة نادي ’مستر أربيل‘ خارج كردستان، حيث ساعد في نشر رسالته التي تدور حول الشمولية الاجتماعية إلى بقية أجزاء العالم.
يقول نادي ’مستر أربيل‘: ’’بما أنه أصبح لدينا اسمٌ معروف الآن، نرى الناس عندما نسير في الشوارع يتحدثون فيما بينهم ويدلّون رفاقهم علينا قائلين: ’انظروا إلى هؤلاء الشباب، إنهم من نادي مستر أربيل‘، وأحياناً عندما ندخل إلى مقهى أو متجر يقترب منا الناس ويقولون: ’ألستم من نادي مستر أربيل؟ نحن معجبون حقاً بما تقومون به، استمروا بذلك‘‘. وسواء كان ذلك بفضل أناقة أعضاء النادي اللافتة أم بسبب التزامهم نحو كردستان، يبقى الأمر غير معروفٍ بصورة قطعية.
ويواصل النادي بالقول: ’’نأمل أن نُري العالم أننا موجودين كأكراد ولدينا أرضنا وثقافتنا ولغتنا وتاريخنا وحكومتنا‘‘، ويضيف: ’’نرغب في تغيير الصورة السائدة عن كردستان. نريد أن نقول إننا في أمانٍ هنا، والحياة جميلة وطبيعية جداً. فنحن لسنا كما تنقله وسائل الإعلام عنا. كما يمكننا أيضاً أن نكون منتجين ومبدعين، ونمتلك شغفاً بصناعة الموضة والأزياء. نريد أن نكون مصدر إلهام وتحفيز للشباب الآخرين، لا أن نبقى في المنازل ونتذمر حول مجريات الأمور، وعندها نلهم الآخرين عدم الاستسلام ومحاولة جعل الأمور أفضل. ونشر الإيجابية، ومساعدة النساء في الحصول على حقوقهن، ومنع تعنيفهن، ونشر الوعي بقضايا البيئة، وأن نُري الناس أننا نمتلك كثيراً من الموارد التي يمكننا استعمالها لتعزيز اقتصادنا‘‘.
’’نريد أن نغيِّر الأفكار السائدة عمّا هو منتج جيد أو رديء، فمفهوم ’صُنِع في كردستان‘ لا يعني بالضرورة جودة متدنية أو زهيدة‘‘.