ليس بالضرورة أن تكونوا مطلعين على دنيا الموضة والأزياء لتلاحظوا أن هذا القطاع قد تطور بزخمٍ قويٍّ على مدار العام الماضي، وأن روحاً جديدة قد اكتسحت قاعاته المرموقة. وقد أصبحت أزياء الشارع -وهو مصطلح كان يستعمل فيما مضى بنوعٍ من الاستهزاء- المصطلحَ الدارج اليوم: إذ فازت علامة سوبريم المتخصصة في معدات وأزياء التزلج بجائزة مجلس مصممي الأزياء في أمريكا، كما جرى تعيين مصمم أوف-وايت، ڤيرجيل أبلوه، في منصب المدير الفني لقسم الأزياء الرجالية لدى لوي ڤويتون، والآن يتبوأ جيلٌ جديدٌ من المصممين، المطلعين على كلٍّ من ثقافة الشباب الجديدة والتقنيات التقليدية العريقة، موقعَ الصدارة. ويوضح سامويل روس، وهو مصمم يبلغ من العمر سبعة وعشرين عاماً ومولود في لندن والمسؤول عن النجاح الهائل لعلامة أ-كولد-وول، بالقول: “إنه مصطلحٌ معقدٌ، ولكن بالنسبة لي تبدو أزياء الشارع مثل الطاقة والحيوية”، ويردف بالقول: “إنها تملك عالمها الخاص، وبيئتها الخاصة، وهي تجسد الثقافات الثانوية؛ أي الجميع، من الشباب في بروكلين الذين يطبعون التيشيرتات باستخدام تقنية الطباعة بالشاشة الحريرية وحتى الشباب في بيكهام الذين يفعلون الأمر عينه”.
https://www.instagram.com/p/BrNBcHChq0Q/
شخصياً، يمثل روس هذه الروح الجديدة: اليوم الذي نلتقي فيه في شرق لندن، بالقرب من مكان إقامته مع حبيبته وابنتهما چينيسيس ذات العشرة شهور، يكون مرتدياً بذلة رياضية من تصميمه تزدان برشات لونية موزعة بإتقان، ويحمل حقيبة برادا بلون نيوني، ويرتدي حذاءً رياضياً جديداً كلياً (وهو من علامة أ-كولد-وول بالطبع؛ إنه على وشك إطلاق تعاون مع علامة نايكي، لكنه كان يرتدي من علامته خلال ظهوره لإجراء مقابلته مع ڤوغ). وهو وسيمٌ على نحوٍ آسرٍ، ويتزين بمجموعة كبيرة من قلائد السلاسل السميكة: واحدة بلون فضي داكن، وأخرى بلون أبيض خزفي (جزء من مجموعة أبلوه الأولى لصالح لوي ڤويتون)، وثالثة مصنوعة من الخرز الأفريقي احتفاءً بإرثه القادم من ويندرش. ومن رأسه الحليق إلى يديه، تغطيه الوشوم، وعنها يقول: “بدأت الحصول عليها في سن السابعة عشرة، بدا الأمر كما لو كنت أبعد نفسي أكثر فأكثر عن النظام الموحد للمظهر اللائق بالمدرسة والمظهر اللائق بالعمل. إن حصلت على الوشوم، فلن يصبح من الممكن أن ينتهي بي المطاف بالعمل لدى ماكدونالدز مجدداً”.
https://www.instagram.com/p/Bqul0RUhPB7/
بينما لم يتجاوز عمره عدة سنوات، انتقل والداه من بريكستون إلى نورثامبتون، مصممين على ألا ينشأ ابنهما وسط ثقافة العصابات، ولكن عندما بلغ الخامسة عشرة من عمره كان روس يبيع أزياء مصممين مقلدة من منزلهم ذي الطوب الأحمر. وعن ذلك يقول: “لم نكن نمتلك أي أموال ولكن ومنذ نعومة أظفاري كان لدي هذا التعطش للاستهلاكية”. ويردف قائلاً: “أتذكر أنني كنت في الثالثة عشرة وكنت أبكي لأنني لم أتمكن من الحصول على حقيبة نايكي بولي-نايلون”. ومع إكماله الدراسة وبالنظر إلى هوسه بمنتجات العلامات، تابع تحصيله العلمي ليدرس التصميم الغرافيكي والرسم التوضيحي في جامعة دي مونتفورت. وقد حصل على شهادته بتقدير امتياز، وانتهى به المطاف بالعمل كمصمم منتجات غرافيكي لعلامات صناعية مثل ويلكينسون وبيكو المتخصصة بإنتاج الغلايات، “لكني أردت أكثر من ذلك”. وعليه، أنشأ سلسلة من المواقع الاحترافية على الإنترنت، وبعد إرسال العشرات من رسائل البريد الإلكتروني إلى ڤيرجيل أبلوه حديث العهد في هذا المجال، لفت أخيراً انتباهه. يبتسم قائلاً: “أتذكر أني كنت جالساً على كرسيَّ الدوار في ليستر عندما قام بمتابعتي على انستقرام رداً على متابعتي إياه. حاولت أن أخبر الجميع بذلك في استراحة الغداء، وكل ما قالوه كان: ’مَن؟ عد إلى عملك!‘”.
https://www.instagram.com/p/BqVNJjlBB-U/
وما تلا ذلك كان اتصالاً هاتفياً من أبلوه يعرض عليه فترة تدريبية؛ وفي الأسبوع الذي تلاه غادر روس ليستر وانتقل إلى غرفة فارغة في بيت خالته في كرويدون. ووجد عملاً في وكالة إعلانات في شورديتش، حيث عمل ليلاً لصالح أبلوه عن بُعد، وعندما ذهب أبلوه وكانييه ويست إلى أسبوع الموضة في باريس لإطلاق مجموعة تعاون كانييه “إيه بي سي” وتقديم عرض أوف-وايت في العام 2014، ركب روس فوراً قطاراً ليجد نفسه محاطاً بالشخصيات التي يعشقها. يقول ضاحكاً: “كان الأمر جنونياً بالكامل. انتقلتُ من فتىً في ميدل إنجلاند إلى الجلوس على أريكة مع كانييه ويست، وڤيرجيل أبلوه، وجيري لورينزو – بين ليلةٍ وضحاها بكل معنى الكلمة”.
https://www.instagram.com/p/BqXsShFBAVo/
لقد كان التفاؤل الدائم والمثابرة التي لا تعرف الكلل تجاه أقرانه الجدد ما دفعه إلى التخطيط لمسعاه الخاص. يقول: “تعلمت كيف أعمل يا رجل. تعلمت كيف أضحي. ومن ڤيرجل تعلمت الأمل”. وقبل وقتٍ طويلٍ كان قد وضع خططاً “لمشروع فني يقوم على استكشاف ثقافة المملكة المتحدة المنصهرة في بوتقة واحدة”، والذي انطلق في العام 2015 باسم أ-كولد-وول. وعن ذلك ينوّه بالقول: “عندما بدأت به، لم أكن أنوي ابتكار خطٍّ للأزياء، لكن المنتج ترتب على ذلك على نحو سريع للغاية”.
https://www.instagram.com/p/BqAK4U4BUEU/
وفي حين أنه لم يكن الهدف الأساسي، إلا أن ذاك المنتج قد لاقى أصداء قوية. وبالنظر إلى أن مجموعة أ-كولد-وول ضاربة بجذورها في أعماق أساليب الأناقة الخاصة بالطبقات البريطانية العاملة -ويتضح ذلك من خلال حقائب الكتف التي تمثّل تطوراً للحافظات متعددة الجيوب؛ والصدريات متعددة الاستعمالات والسترات المنفوخة؛ والبذلات الرياضية الفنية المصنوعة من النايلون التي جرى تطويرها بلمسات عالية التقنية.. ببساطة، يقدم خط أ-كولد-وول أزياء مشبعة بطابع ثقافي لكنها تمتاز بجاذبية جديدة ومنعشة. يقول أبلوه مستذكراً: “كان سامويل، منذ الوقت الذي عمل فيه كمساعدٍ لي إلى الآن، جزءاً من نهج التصميم الجديد هذا”، ويضيف: “[كان لديه] هدف لا ينفك عنه و[هو] دقيق في تنفيذه، في الأزياء وفي شخصيته”.
https://www.instagram.com/p/BrDMwJZB6Jd/
ومن أجل مجموعته لربيع 2019، استكشف روس الإرث الاجتماعي لنمط العمارة القاسية، موضحاً أنه بالإقامة في الأبنية الخرسانية العالية التي تكثر في هذه البلاد “يمكن أن يصبح التوتر والخوف إطاراً لك”. ومع تقنيات حرفية ومحبوكات مترهلة بشكل خفيف تتخللها أقمشة تقنية وبناطيل “كارغو” مختارة بعناية، يقول: “أتحدث عن نزع الآثار والانعكاسات التي تخلفها تلك الأبنية الخرسانية على الناس”، مردفاً: “أشعر بأن الأزياء يجب أن تكون سياسية لأنها تصل إلى ملايين الناس يومياً، ويمكن أن تكون حقاً اليد التي تسحب الناس عبر المرآة الزجاجية؛ يمكن لها حقاً أن تغير الأمور”.
https://www.instagram.com/p/BpCTGJ0B09r/
وروس نفسه دليلٌ على ذلك؛ فبعد أن وجد استثماراً رئيسياً من قبل مجموعة شركات لندن تومورو القابضة لتطوير براعته التصنيعية، مع 117 تاجراً دولياً يبيعون الآن قطع خطه بالتجزئة، وبعد أن حقق سلفاً عائدات مالية تكاد تكون غير مسبوقة بالنسبة لعلامة صاعدة (8.4 مليون يورو في العام 2018)، يثبت أن لديه رغبة متقدة لكتابة قدره الخاص. يوضح المدير التنفيذي لشركة دوڤر ستريت ماركت أدريان جوف، الذي عرض تجهيزات فنية خاصة بعلامة أ-كولد-وول في اثنين من متاجره العالمية الخاصة بالبيع بالتجزئة: “هو فقط شابٌ رائعٌ ولطيفٌ للغاية وموهوبٌ جداً وصاحب رؤية ’بلا حدود‘”، ويضيف: “نحن نحبّه ونحبُّ علامته”.
https://www.instagram.com/p/BnO7uFcF3vs/
وبعد أن أصبح له الكثير من المعجبين من جوف إلى كارل لاغرفيلد (الذي، ووفقاً لروس، قد وقف مصفقاً له بعد أن تسلم جائزة إل ڤي إم إتش)، وجد روس نفسه قد حصل على شرعيته من المؤسسة في حين يحافظ على ارتباطه الوثيق بجذوره. يقول روس: “أشعر بالتحرر. الآن أشعر بالأريحية ذاتها لدى الحديث مع العاملين معي في اجتماع مثلما أفعل عندما أكون في فندق سوهو هاوس وأطلب قائمة الأطباق”. إن كان بالإمكان الحكم على موجة عالم الأزياء الجديدة من خلال طاقتها، فهو السفير الأمثل لها.
والآن اقرؤوا: أيمن الرابغي يحدّث ڤوغ العربيّة للرجل عن تجربة تصميم أزياء نجوم أوبريت الجنادريّة 33
نُشِر للمرة الأولى على Vogue.co.uk