Follow Vogue Man Arabia

محمد حديد.. قطب العقارات الذي ينحاز لمصالح الناس

سعياً للتعرّف إليه عن قُرب وسبر أغوار شخصيته واستلهام الدروس من مسيرته الجديرة بالاهتمام، أجرينا الحوار التالي مع قطب العقارات محمد حديد، الذي يشيّد حالياً مشروعاً عقارياً ضخماً في مصر وشارك سابقاً في الألعاب الأولمبية، حيث كشف عن ما يثير حنقه، وتطرق إلى أسباب إيمانه بعدم وجود ما يسمى بالفشل، فضلاً عن الحديث عن نهجه في تربية أبنائه، وغير ذلك من المواضيع الشيّقة.

يستدير محمد حديد الذي يعتريه حماس بالغ ويتحرّك بقامته الرشيقة نحو الكاميرا داخل استوديو تملؤه أشعة الشمس في ضواحي دبي. وعندما يقفز في الهواء لالتقاط صورة مفعمة بالحماس يُفلت ضحكةً تنمُّ عن توترٍ، إلا أن عينيه الزرقاوين تشعّان بالثقة. ولأنه غير متخصص في عرض الأزياء، فقد حرص على التحرك بانتباهٍ مدروسٍ، واتخاذ وضعية وقوفٍ جديدة لكل لقطة. ولا يسع المرء إلا أن يفكر: إذاً من هنا ورث أبناؤه –جيجي وبيلا وأنور– موهبة عرض الأزياء. وعبر مكبرات الصوت، تصدح أشهر أغاني الفنان جيمس براون الواحدة تلو الأخرى، وحديد يحفظها جميعها عن ظهر قلب، ويرددها بإنجليزية لا تشوبها شائبة ولكن تتميز بلكنة يصعب تحديدها، وهي من أهم سمات المواطن العالمي.

نُشِر للمرة الأولى على صفحات عدد أبريل 2019 من ڤوغ العربية للرجل.

محمد حديد بعدسة غريغ أدامسكي لڤوغ العربية للرجل

على مدار أربعين عاماً زار حديدُ دبي بضع مراتٍ فحسب، ويزخر هاتفه بدعوات زيارة كما لو أن المجتمع يرحب بعودة قريبٍ أطال الغياب.

إلا أن دبي مجرد محطة في رحلة طويلة بدأت في باريس، إذ سافر حديد جواً إلى العاصمة الفرنسية من منزله في بيفرلي هيلز وحط مباشرةً وسط مدينة تعاني اضطراباتٍ اجتماعية. يتذكر كيف تعرضت نوافذ الفندق الذي نزل فيه للتحطيم، وأُحرقت السيارات، ونشبت صداماتٌ بين رجال الشرطة والموظفين الحكوميين. ويعقد حاجبه الداكنين وهو يقول: “أحياناً يجب أن يطالب العمال بحقوقهم. عندما يتهاوى الاقتصاد تصبح الأجور منخفضة ويجب دفع المزيد”. إنه واقع الرجل العامل الذي يفهمه تماماً حديد العصامي – المطور العقاري والمعماري والفنان بين الحين والآخر. يعلق بالقول: “يتذبذب عملي صعوداً ونزولاً مع تذبذب السوق، لكني لم أنظر يوماً إلى مشاريعي على أنها ‘ربحية’. بل إن متعة القيام بها هي ما يهم”.

وبعد باريس كانت القاهرة المحطة التالية لحديد، وهي مقر مشروعه الطموح في الوقت الحالي. وبالتعاون مع شريكه في المشروع حسن مرشدي، المالك والمدير التنفيذي لشركة معمار المرشدي، سيقيمان مشروع سكاي لاين الذي يشمل أكبر مبنى سكني في العالم على مساحة أربعين فداناً، ويضم منشآتٍ سكنية وتجارية وترفيهية، وجميعها تحت قبة سقفٍ تغطيه حديقةٌ غناء. يقول: “أردت الانخراط [في هذا المشروع] لأنه موجّهٌ لجيل الشباب الصاعد – طبقة العاملين من الشباب والمتزوجين والعزّاب ممن يرغبون بالعيش في بيئة متكاملة الأوصاف. نحن بحاجةٍ إلى أماكن كهذه في العالم العربي”، ويردف أنه في الوقت الحالي لا توجد أماكن في الوسط، “إما أنك تعيش في مكانٍ مذهلٍ أو في منطقة تقبع في الفقر”، مضيفاً: “العمل على مشروعٍ ميسور التكلفة يمنحني شعوراً بالسعادة”.

محمد حديد بعدسة غريغ أدامسكي لڤوغ العربية للرجل

وسيوفر مشروع سكاي لاين 16 ألف شقة خارج زحام مدينة القاهرة، ومن المتوقع أن يستقطب من 40 ألف إلى 50 ألف ساكن. ويضيف حديد أن التصميم -كتلة من الخطوط الهائلة والأشكال الهندسية المتقنة- يستهدف أن يكون “لطيفاً ويراعي البيئة”، وسيتضمن مزايا ستتصدر عناوين الأخبار، منها على سبيل المثال أضخم مسبح “إنفينيتي” في العالم. إنه منحىً جديدٌ بالنسبة للرجل الذي هيمنت فنادقه في السابق على مدينة أسبن وتغلّب على عملاق آخر في القطاع العقاري، عملاق هو الآن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب. وما إن سألناه عمّا إذا كان قد وجد مثلاً أعلى آخر حتى بدأ حديد بالحديث بأسلوب شاعريٍّ كثير الإطناب وأجاب: “أنتمي إلى حقبةٍ ماضية – تعود لسلفي ظاهر العمر. رأيت ما بناه في فلسطين، في الجليل”، ويقصد بذلك الحاكم العربي الشهير الذي عاش في منتصف القرن الثامن عشر، ويردف: “هو من الماضي، لكني أشعر كما لو أنه مرشدي؛ لقد أراد الارتقاء بحياة الناس”.

محمد حديد بعدسة غريغ أدامسكي لڤوغ العربية للرجل

ومشروع سكاي لاين ليس أول مشروع ضخم يشارك حديد فيه بالمنطقة، ففي العام 1981 عمل على تشييد فندق لم ينل التقدير عنه – أو حتى الدفعة الأخيرة من أجره. وقد تركت هذه التجربة بداخله جرحاً لم يندمل، جرحاً لا يزال يبدو مؤلماً نوعاً ما. يختنق صوته وهو يقول: “ربما لأنني عربي. ثمة عدم ثقة بالمواهب العربية…”، ويضيف مخفضاً صوته إلى همهمة: “ما يثير حنقي هم أولئك الذين يسيئون فهمي. هذا وكذلك التوسط في الأمور – عندما تقبل بأقل مما تستحق. في الثقافات الأخرى، يساعدون بعضهم البعض، يسمحون لك بأن تنمو وتزدهر. وفي العالم العربي يبدو أنهم يحبطون المرء على الدوام. ‘إن كان هذا الرجل ثرياً فلابد وأنه حصل على ثروته بطريقة غير شرعية’. لا يدعمونك مطلقاً”، يقول وهو يهز كتفيه مردفاً: “إنشاء مشاريع في الولايات المتحدة أسهل بالنسبة لي”. وحديد ليس برجل الأعمال الذي يصفح وينسى، يقول مبتسماً: “الشراكات قاسية. أستوعب ذلك وأنسحب مقللاً الخسائر وأتجاوز الأمر”.

محمد حديد بعدسة غريغ أدامسكي لڤوغ العربية للرجل

ولد حديد في الناصرة عام 1948، في حجرةٍ مكسوة بألواح خشبية تزين سقفها زخارف جصية إيطالية متقنة الصنع. وفي ذلك العام تأسست “إسرائيل”. وعندما كان عمر حديد لا يتجاوز شهراً، فرَّت عائلته إلى دمشق. وفي السنوات التي أعقبت ذلك، واصلت أسرته التنقُّل من مكانٍ إلى آخر، إذ انتقلت من بيروت إلى تونس قبل أن تهاجر في نهاية المطاف إلى العاصمة الأمريكية واشنطن. يستذكر حديد قائلاً: “كان والدي يعمل في أربع إلى خمس وظائف في آنٍ معاً. مترجماً ومذيعاً ومحرراً… لا أعتقد أنه كان عنده الوقت للجلوس مع أطفاله، لكننا عرفنا أنه كان يحبنا؛ كان يحاول كسب لقمة العيش من أجلنا. كنّا ثمانية أطفال مع جدتي، التي كانت كفيفة”.

انكبَّ حديد على الدراسة، حيث بدأ مشواره الأكاديمي في جامعة ديوك، ثم التحق بجامعة نورث كارولينا الحكومية، وأخيراً انتظم في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (اختصاراً MIT). وعن أول طموحاته يكشف لنا بالقول: “أردت أن أصبح فناناً”، ولكن حواراً أجراه مع والده أقنعه أن يدرس الهندسة بدلاً من ذلك، وعلى الرغم من أنه لا يرسم اليوم، إلا أنه يدعو الفن “متنفَّسه”. وكانت السنوات التي قضاها حديد في الجامعة بمثابة تأسيس لشخصيته، فقد تعلّم التحليق بالطائرة في سن السادسة عشرة – بعد أن اشترى طائرة سيسنا 150 بالاستدانة، وخضع لدورات تدريبية في مطار ديب كريك خارج العاصمة واشنطن. وبعد ذلك بأربع سنوات افتتح نادياً ليلياً في اليونان بينما كان يقضي إجازةً على جزر تلك الدولة. وسرعان ما أصبح نادي آكواريوس من الوجهات الرائجة بين عشاق البوهيمية كثيري الترحال. وفي نهاية كل صيف، كان رائد الأعمال الصاعد يأخذ جميع مدخراته ويستثمرها في العقارات.

محمد حديد بعدسة غريغ أدامسكي لڤوغ العربية للرجل

وبينما يستذكر حديد كيف كانت والدته في الولايات المتحدة تُبقي أبواب المنزل مُشرّعة للجميع، إلا أن هذا لم يحفظ حديد الشاب من التعرض للتحامل والتعصب. يقول مستذكراً: “أعتقد أنه وبسبب لون بشرتي الفاتح، ومما مررت به، اعتقد الناس أن اسمي لا يمكن أن يكون ’محمد‘”، ويضيف: “لطالما أحببت اسمي. بالنسبة لي هو غريبٌ للغاية؛ مثل نبتة غير معهودة. في مرحلةٍ ما بدأ صديقٌ لي بإخبار الآخرين أن اسمي مختلف. لم يشأ أن يحرج نفسه لأن لديه صديقٌ عربيٌّ ومسلم”. ويؤكد حديد أنه وفي حين كان متصالحاً مع هويته على الدوام، إلا أنه ربّى أطفاله -آلانا، ومارييل، وجيجي، وبيلا، وأنور- ليقرروا بأنفسهم الدرب الذي سيسلكونه. وعن بناته يقول: “أعتقد أنهن معجباتٌ بفكرة كونهن ما هنّ عليه، وهنَّ نساءٌ قويات وعصريات”، ويعلق بالقول إن الناس يتفاجؤون أحياناً بانفتاحه.

محمد حديد بعدسة غريغ أدامسكي لڤوغ العربية للرجل

يقول: “كان والداي متحررين”، ويضيف: “تربينا على أن نفعل ما نريد، طالما كنّا في مأمن. وأدع أطفالي يفعلون الشيء نفسه. وأتعرض لكثير من الانتقادات من قبيل: ’كيف تسمح لابنتيك أن تسيرا شبه عاريتين؟ يزعجني سماع ذلك ولكني دائماً لطيف للغاية. الله وحده هو من يحاسب الناس. وعليك أن تعتني بعائلتك، وأنا أعتني بها. نحن آباء ولسنا سجّانين”. ويصرّح حديد أن الأولوية في حياته لأبنائه، ولكن رب الأسرة يصرّ على أن يقول إن أيام أبوته قد ولّت: “هل سأنجب المزيد من الأطفال؟ كلا. هل سأتزوج؟ كلا. أنا أحاول الحفاظ على صحتي وحسب”.

ويتعامل حديد بتأمل مع رحلته، ويكشف لنا قائلاً: “تلقيت للتو دعوةً من جامعة هارفارد للتحدث عن حياتي أمام آلاف الطلاب. لست متحدثاً جيداً. أكاد أموت من الخوف. أفكر كل ليلة تقريباً بما عليّ قوله لهم”. ويغوص في تجربة ذلك، “لاجئٌ من فلسطين جاب العالم برمته حرفياً. لطالما اعتقدت أنها الطريقة التي يعيش بها الناس. التقط حقائبك وتحرك”، يقول مردفاً إن حياته مليئة بالتجارب التي ساعدته في فهم السعادة والألم. يتذكر كيف غادر العاصمة واشنطن بعد انهيار السوق الأمريكية واتجه نحو ويست كوست كي لا يظهر ضعفه أمام عائلته وليحمي سمعته كرجلٍ قيادي. وخلال فترة الراحة تلك تعلّم التزلج السريع، حيث مارس هذه الرياضة في نفقٍ هوائي بمدينة باسادينا، وبذلك حجز لنفسه مكاناً ضمن فريق الأردن الأولمبي، يقرُّ والابتسامة تعلو وجهه: “لطالما كنتُ طموحاً”.

ويُرجع حديد تجاربه إلى نباهته، يقول: “لا تحتاج إلى التفكير بالأمر؛ بل تنتهز الفرصة، ثمَّ تقرر وتتعلم القيام بالأمر. لا تسمح للفرصة أن تمرُّ دون أن تنتهزها. لا وجود لما يسمى بالفشل”. ومع طموحه المتقد الذي لا ينطفئ، يعتزم حديد العمل إلى الأبد بكل سعادة، يقول: “تصل إلى مرحلة في حياتك تذهب فيها إلى حيث تريد. أشعر بالرضا للقيام بهذا المشروع -سكاي لاين- بغض النظر عن النتيجة، لكني أشعر بأنه سيكون ناجحاً. أعتقد أنني سأستمتع بتنفيذ مشاريع في العالم العربي. لا أدري لما… ربما إنها العودة إلى الوطن وحسب”.

والآن اقرؤوا: محمد صلاح من بين 100 شخصيّة مؤثرة في قائمة مجلّة تايم

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع