Follow Vogue Man Arabia

لهذه الأسباب لا يكترث جون مالكوڤيتش بتقديم ما يستهوي الجمهور

جون مالكوڤيتش مرتدياً ساعة ’آر إم 67-01‘ من ريتشارد ميل. بإذن من ريتشارد ميل

جون مالكوڤيتش مرتدياً ساعة ’آر إم 67-01‘ من ريتشارد ميل. بإذن من ريتشارد ميل

يوم رائع آخر على جزيرة صقلية.. الشمس ترسل أشعتها الحارة لتداعب مياه البحر المتوسط.. انعكاسات أشعتها على صفحة المياه لا تعطيك الفرصة لتفتح عينيك.. وبينما تحاول أن تستنشق الهواء، تحرق سخونتُه تجاويفَ أنفك من الداخل. ويزدان المشهدُ ببعض القصص الجانبية، فها هم أطفال يلهون على الشاطئ ويبنون قلاعاً من الرمال، وتماماً مثل أحد مشاهد فيلم ’دانجروس لايزونز 2.0‘ (علاقات خطرة)، يتلو جون مالكوڤيتش -أحد ألمع النجوم على مستوى العالم- على الهاتف مقطعاً من رائعة وليام فوكنر، بكل رزانة ووقار.

“سأعطيها لك، لا لتذكرك بالوقت وإنما لتنسى أمره لوهلة بين الحين والآخر، وكي لا ترهق نفسك في محاولة الانتصار عليه. فليس من المفترض أن يكون النصر حليفك في كل حرب تخوضها. بل حتى ليس بالضرورة أن تخوض كل حرب تواجهك. والميدان وحده كفيل أن يكشف لكل إنسان – آآآه لكل إنسان… لكل إنسان…”، وهنا، يتلاشى صوت الممثل بينما يحاول أن يستجمع الكلمات، ثم يعود ثانية ليكمل نص ذلك المشهد، قائلاً: “مدى حماقته ويأسه، فالنصر ما هو إلا وهم يصدقه الفلاسفة والأغبياء”.

جرت هذه الكلمات على لسان رجل يهدي ابنه ساعة أبيه في رواية مالكوڤيتش المفضلة، رواية ’ذا ساوند آند ذا فيوري‘ (الصخب والعنف) التي صدرت عام 1929. ولا شك أن هذه التأمّلات في المحافظة على الوقت أو نسيانه ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحوارنا مع النجم العالمي. فمنذ عام 2016 أصبح شريكاً في واحدة من أعرق علامات صناعة الساعات في العالم المعاصر، أو لنقل العلامة الأعرق على الإطلاق إذا اعتبرنا أن السعر هو المعيار الوحيد للتصنيف. “من وجهة نظري، إنه شخص ذكي جداً. وهو يصنع [ساعات] بالغة التعقيد، وباهظة السعر، ولكن ذلك ظل دوماً جزءاً من هذا العالم”، هكذا قال مالكوڤيتش عن ريتشارد ميل وهو يهز كتفيه، مضيفاً: “يحب الناسُ الأشياءَ الجميلة، ويقبلون على شرائها وجمعها مثل الأعمال الفنية”. وينضم مالكوڤيتش خلال أكتوبر الجاري إلى ريتشارد ميل في معرض فريز آرت للفن المعاصر المقام في لندن. وتشارك هذه العلامةُ الراقية المتخصصة في صناعة الساعات للسنة الثانية على التوالي في هذا المعرض. تُرى، هل فكر مالكوڤيتش يوماً في أن الأسعار الباهظة تهيمن على الساحة الفنية بالكامل؟ “حسناً، أظن أنها غالباً كذلك بالفعل”، هكذا أوضح مالكوڤيتش.

جون مالكوڤيتش في مشهد من فيلم ’أن تكون جون مالكوڤيتش‘ عام 1999

جون مالكوڤيتش في مشهد من فيلم ’أن تكون جون مالكوڤيتش‘ عام 1999

لم تكن الساعات ضمن الموضوعات التي تثار على طاولة العشاء خلال نشأته في ولاية إلينوي بالولايات المتحدة الأمريكية. وُلِدَ مالكوڤيتش لعائلة متعددة الثقافات، لها جذور كرواتية واسكتلندية وفرنسية. ويذكر أن والده ظل يمتلك “الساعة القديمة نفسها على الدوام”، ولا يعلم ماذا حدث لها في نهاية المطاف. وعدا عن تراثه العائلي، ثمة توجّه مشترك يجمع بين مالكوڤيتش وبين ريتشارد ميل إزاء “وضع العالم اليوم”. يقول: “أراه شخصاً يريد أن يكون نظيف اليد ومستقيماً في كل شيء، ولكن دعونا نقول إن الحال لا يكون هكذا دوماً. فهو يريد أن يتأكد من استقامة يد كل مَن يعمل معهم ونظافتها. إنني بالطبع”، وبدأ يضحك، “لا أقول إنهم ممن ينجذبون للجنس الآخر”.

وفي غضون أسبوع، كان مالكوڤيتش على موعد مع مهرجان البندقية السينمائي، ليروِّج -برفقة النجم جود لو، والمخرج باولو سورينتينو- للمسلسل المقبل ’ذا نيو بوب‘ (البابا الجديد). وعن أدواره وكيفية اختياره لها، يقول: “إنما تأتي الأعمال في طريقي. فلم أكن أتخيل أبداً أدائي لدور بابا إنجليزي، أو ملك فرنسا، أو ملك إنجلترا، أو شخصية بارون دي تشارلوس، أو ڤيكومت دو ڤالمون”. وهو بذلك ليس من نوعية الممثلين الذي يحلمون بتقديم دور بعينه، حيث يؤكد: “من وجهة نظري، هذه ليست الطريقة المثلى للتفكير. أعتقد أن مَن يحلمون بتقديم دور بعينه إنما يعبرون عن رغبتهم في إظهار مدى براعتهم في أداء هذا الدور أو ذاك. لا، لا تروقني هذه الطريقة”.

جون مالكوڤيتش في مشهد من فيلم ’علاقات خطرة‘ الذي طرح عام 1988

جون مالكوڤيتش في مشهد من فيلم ’علاقات خطرة‘ الذي طرح عام 1988

إذاً، ماذا يسعى مالكوڤيتش لتقديمه للجمهور؟ “لا شيء”، هكذا أجاب مالكوڤيتش وقد خفت صوته مرة واحدة. “أريد أن أقدّم شيئاً يروق لي”. وبدأ النجم يروي بصوت تغلب عليه نغمات التانغو: “عندما كنت طفلاً صغيراً بديناً، لم أكن أتصور أبداً، لا أنا ولا أي شخص آخر –على ما أظن– أنني سأقدم دور بارون دي تشارلوس [في فيلم ’لو توم ريتروفيه‘ (الزمن المستعاد) الذي طرح عام 1999]. لماذا قمتُ بهذا الدور؟ فقط لأنه راق لي وأثار اهتمامي. وهل أديتُه لرغبتي في إظهار قدرتي على التمثيل في فيلم ناطق بالفرنسية؟ بالطبع لا، فلم يكن لدي أدنى فكرة أنه بإمكاني التمثيل في فيلم باللغة الفرنسية. وهل أديتُه كي أبيّن كيف ينبغي للممثل أن يقدم دور الشخصيات الأرستقراطية الفرنسية والأوروبية؟ لا، على الإطلاق. إنني فقط أحبّ المخرج راؤول رويز. ولا يهمني ما يبرهنه أو لا يبرهنه ذلك للناس، ولا حتى بقيد أنملة”.

ورغم عدم اكتراثه، فإن مالكوڤيتش يعي أن جُلّ اهتماماته تجتمع في النهاية على هدف واحد، وهو أن يلقى منتجه، أيّاً كان، رواجاً ويُبَاع. فقد أغلق مؤخراً خط أزيائه القريب إلى قلبه والذي يحمل اسمه بعدما اعترف، عقب مرور نحو عشرين عاماً، أن أداء ذلك الخط كان دون المستوى، وأنه لا يجني له الأرباح (“مضيعة هائلة للمال، وربما للوقت أيضاً. إنني في الغالب الأعمّ كنتُ أحب هذا العمل – ولكن ذلك لا يعني أني أحبّ العمل في مجال الموضة عموماً”). أما شراكته مع ريتشارد ميل فتتسق تماماً مع كل ما يفعله، فيما عدا أنه في هذه الشراكة –بالطبع– يقدم شخصيته الحقيقية. يظهر مالكوڤيتش في صور الحملة الإعلانية بصفته وجهاً إعلانياً لنفسه. ويظهر متكئاً على جدار قديم من الحجارة ينظر إلى عدسة الكاميرا مباشرة، بشفتين مزمومتين. والوشاح الحريري الذي يطوِّق عنقَه لم تحركه سوى نسمة خفيّة. وتستقر يداه على مشبك حزامه بكل فخر واعتزاز، بكمّين مرفوعين قليلاً. وتزيّن معصمه ساعة ’آر إم 67-01‘، وهي ساعة أتوماتيكية ناعمة برميلية الشكل ورشيقة التصميم تشبه مؤشراتها شكل مؤشرات علبة التروس بالسيارة – فالسيارات هي شغف ريتشارد ميل، وتثير اهتمام مالكوڤيتش أيضاً.

كيف يتحمل الممثل أن يعرض نفسه بهذه الطريقة؟ “أنا خجول بطبيعتي، ولكني أتمتع بشخصية اجتماعية للغاية”، هكذا أجاب النجم السينمائي، مضيفاً: “بالطبع، الممثلون والناس تحدوهم دوماً الرغبة في أن يكونوا محطَّ أنظار الجميع. ولكني لا أريد أن ألفت الأنظار إليّ بأي شكل من الأشكال. فقد لفتُّ الأنظار طويلاً بالفعل. وأظنُ أن هناك سوء تصور، وسوء تسمية، وسوء فهم”، هكذا قال، مطيلاً في إصدار صوت الـ(س) بنبرة تشبه همس الأفاعي، قبل أن ينخرط في تقديم فاصل آخر من حديثه الذي تغلب عليه نغمات التانغو. “هل أحبُّ التحدث أمام الجمهور؟ لا؛ فأنا لا أرى لذلك أية أهمية. هل أحاولُ أن أتحاشى التحدث أمام الجمهور؟ نعم، كثيراً جداً وبأي ثمن كان. ولماذا؟ لاعتقادي أنه ليس لديّ شيء مهم لأقوله للناس. آه، لا أعلم، ولكن ما الفائدة من قوله. فما أقوله قد يساء فهمه أو يساء تطبيقه، وربما يُحرَّف عن قصد – فأرجعُ وأقول ما الفائدة حقاً من كل ذلك؟”.

اقرؤوا أيضاً: براد بيت وليوناردو ديكابريو معاً على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي

ومن بين كل ما يثير اهتمامك، من تمثيل وإخراج وكتابة سيناريو ورسم، أيها يمنحك الشعور بالسعادة والرضا أكثر في الوقت الحالي؟ يقول: “لست متأكداً ما إذا كنتُ أعرف المعنى الحقيقي للرضا، وإلا لفعلت. وكما قال ميك جاغر: ’لا أستطيع أبداً أن أصل للشعور بالرضا‘، وأحبُّ أن أعمل، وهذا في حد ذاته يجلب لي الشعور بالرضا”. ثم يردف: “فالتحدي له شعوره الخاص بالرضا. والفشل له شعوره الخاص بالرضا. والنجاح ما هو إلا نتاج لتجربة فشل سابقة. أحبُّ أن أعمل، وهذا كل شيء”، ثم يردد مقولة الفيلسوف الألماني أرثر شوبنهاور: “لا شيء يقتل الحلم مثل تحقيقه”.

جون مالكوڤيتش مع شارون ستون في مشهد من المسلسل الجديد ’البابا الجديد‘ المقرر عرضه على قناة HBO

جون مالكوڤيتش مع شارون ستون في مشهد من المسلسل الجديد ’البابا الجديد‘ المقرر عرضه على قناة HBO

لا يكفّ مالكوڤيتش عن العمل، فهو يعمل طيلة الوقت. وقد مثّل في أكثر من 70 فيلماً، ولعب دورَ الشرير المريض النفسي في أعمال حققت نجاحاً مدويّاً مثل فيلم الحركة والإثارة ’كون إير‘، وفيلم الجريمة ’إن ذا لا ين أوف فاير‘ (في خط النار) والذي استحق أن يُرشَّح عنه لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد في حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 1994. كما لعب أدوار الشخصيات الإغرائية التي تتمتع بالجاذبية في الدراما التاريخية، مثل دوره في فيلم ’علاقات خطرة‘، وأيضاً ظهر كممثل مساعد في كلٍ من فيلم ’أوف مايس آند مِن‘ (فئران ورجال)، وفيلم ’بليسز إن ذا هارت‘ (أماكن في القلب) واللذين رُشِّحَ عنهما لأول مرة لنيل جائزة الأوسكار لعام 1984، وعلاوة على ذلك قام بدور شخصيته الحقيقية في الفيلم التسجيلي ’بيينغ جون مالكوڤيتش‘ (أن تكون جون مالكوڤيتش). وكذلك قدم عروضاً على مسرح برودواي، وأخرج للمسرح في لندن، واشترك لأكثر من عقد من الزمن في مئات العروض الموسيقية الكلاسيكية المختلطة، وأيضاً ظهر في مشهد صغير في إحدى أغاني إيمينيم المصورة عام 2015. وخلال العشرة أعوام الأخيرة، شارك في سبعة أفلام، وأربعة مسلسلات تليفزيونية، وثلاث جولات موسيقية كلاسيكية. ومنذ مايو حتى سبتمبر الماضيين، عاد الممثل الأمريكي إلى وِست إند في لندن ليقدم مسرحية ’بيتر ويت‘ (القمح المر) بواقع ثمانية عروض أسبوعياً.

يتميز مالكوڤيتش بلفظ بعض الكلمات بإيقاع غير مألوف بينما يتحدث. وقد قدم ديڤيد ليترمان، المذيع السابق للبرنامج الذي يذاع في ساعات متأخرة من الليل، فقرة بعنوان “قائمة الكلمات العشر التي تبدو مخيفة إذا ما تلفظ بها جون مالكوفيتش”. والإيقاع الاستثنائي لحديثه يجذب انتباه السامع من تقلّب نغمات كلماته – فكلمة No (لا) مثلاً حينما يلفظها ربما تكافئ نغمة ’مِي‘ الحادة على السلم الموسيقي. يقول: “أعتقد أن مَن يحبون نبرة صوتهم قليلون جداً. كما أني لا أعلم كم شخصاً راضياً عن شكله ومظهره. كم نسبة الأشخاص الذين ينشرون صورهم الحقيقية على انستقرام دون تطبيق الفلاتر عليها؟ هل تقل عن 1%؟ في رأيي، يتساوى في ذلك الرجال والنساء، سواء بسواء. وأعتقد أيضاً أن هذا شيء غريب، فمن الأحرى بك ألّا تبالي. وعندما أنظرُ إلى نفسي، لا يهمني شكلي أو نبرة صوتي. وإنما كل ما يهمني هو ما إذا كان ما أحاول تقديمه سيترك أثراً في نفوس الآخرين أم لا”. ثم تأتيه مكالمة هاتفية يفوته الرد عليها، فيعاود الاتصال بعد أن يبدى اعتذاره للطرف الآخر.

جون مالكوڤيتش مع داني غلوڤر في مشهد من فيلم ’أماكن في القلب‘ الصادر عام 1984

جون مالكوڤيتش مع داني غلوڤر في مشهد من فيلم ’أماكن في القلب‘ الصادر عام 1984

وكما هو متوقع، لا يمتلك مالكوڤيتش حساباً على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يولي مثل هذه المنصات الكثير من الاهتمام. وعن رأيه في هذه المواقع، يقول: “أسميها مواقع اللاتواصل الاجتماعي، فلها تأثير مريع عليك. فقد أخرجتْ -وستظل تخرج- من رحمها أجيالاً من النرجسيين الخبثاء”. “إنك لن تتمكن حتى أن تجري حواراً وتعرب فيه عن وجهة نظرك الخاصة، إذ أنك لست ممن يسمح لهم بذلك. لقد كان الواضع مختلفاً تماماً منذ ثلاثين عاماً. هل أصبح هناك مزيد من الديمقراطية الآن؟ نعم، هذا هو الخبر السار، والخبر السيء أن كل شخص يرى في نفسه البطل الهمام المدافع عن العدالة، الملم بكل الأمور، والذي يتمتع بشخصية متفردة إلى أبعد الحدود”.

وكي يحافظ مالكوڤيتش على راحة باله، فإنه -كما أوضح- ينأى بنفسه عن المشكلات بعدما ارتبط اسمه بعالم الشهرة منذ عقود. “لا أتدخل في شؤون الناس، وأتمنى أن يتعلموا أن يحذوا حذوي”، هكذا علق، مضيفاً: “ولكنهم لن يفعلوا لإيمانهم بأنهم يعلمون الأفضل للآخرين. ولست هنا بصدد أن أملي على الناس كيف يعيشون وكيف يعبرون عن وجهة نظرهم أو كيف يجب أن يكونوا عليه. فذلك لا يهمني. ولا أعلم ما يجب أن يكونوا عليه. وأنا متأكد تماماً أنه من الأحرى بهم أيضاً ألّا يملوا على الآخرين ما يجب أن يكونوا عليه. ولكن بمقدورهم فعل ذلك إذا أرادو، بل إنهم سيفعلون على أية حال”.

وقد علق: “بعض الفنانين لا يفقدون بريقهم عند الجمهور طوال مسيرتهم الفنية، رغم أني لا أظن أن ذلك يحدث كثيراً”. إننا بالطبع، لا نرى ذلك يحدث كثيراً، ولكن ليس كل الفنانين مالكوڤيتش. وهنا، انتهى حوارنا بنفس الطريقة التي بدأ بها. وسيعود مالكوڤيتش هذا المساء إلى ويست إند في لندن ليقدم عرضاً آخر لمسرحيته حيث يعمل قرير العين وغير مكترث بما يستهوي الجمهور.

نشر للمرة الأولى على صفحات عدد خريف/شتاء 2019 من ڤوغ العربية للرجل.

اقرؤوا أيضاً: كريم بنزيما يكشف كيف يحافظ على مركزه في القمة عبر أسرته وإيمانه

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع