Follow Vogue Man Arabia

كل ما يهمكم معرفته عن أسباب انتشار القهوة في أنحاء العالم

يتحدث غانم القاسم، الشريكُ الإماراتي المؤسِّس في مقهى دروب كوفي، عن تاريخ القهوة قائلاً: “لطالما كانت جزءاً من عادات العرب وتقاليدهم. وقد بدأت عادة احتسائها في الشرق الأوسط من اليمن، ثم انتشرت في مكة، ومصر، وبلاد الشام، قبل أن تنتقل إلى تركيا في منتصف القرن السادس عشر. وهي مشروب المناسبات الاجتماعية بالدرجة الأولى، وتذكرني بطفولتي، حيث عادةً ما تُقدَّم القهوة العربية في الأعراس وخلال العطلات، لذا تذكرني بأجواء الاحتفالات والأوقات السعيدة. والقهوة دائماً صديقة للعائلات”.

للحصول على حبوب القهوة، تُجفَّف ثمارُ شجرة البنّ التي تشبه في شكلها فاكهة الكرز. الصورة: Getty Images

للحصول على حبوب القهوة، تُجفَّف ثمارُ شجرة البنّ التي تشبه في شكلها فاكهة الكرز. الصورة: Getty Images

وليس القاسم وحده مَن يهوى “مشروب المناسبات الاجتماعية” هذا – إذ يحتسي نحو مليار شخص في العالم أكواباً من القهوة يومياً، ما يعني أن معدل الإنفاق على هذا المشروب يبلغ 85 مليار دولار أمريكي سنوياً، وفقاً لما نشرته شركة يورومونيتور. وتصل نسبة الإنفاق على القهوة في الشرق الأوسط وحده إلى 8% [من إجمالي الإنفاق العالمي]، ويبدو أن شعبيتها لن تتراجع في ظل هذا النجاح غير المسبوق الذي تشهده المقاهي المتخصصة والراقية.

ومثال على ذلك مقهى دروب كوفي المتخصص في تقديم القهوة بدبي، والذي افتتحه الصيف الماضي غانم القاسم ومحمود الخميس بهدف “إلهام العالم حبّ القهوة الرائعة، حتى آخر رشفة”. أحدث المقهى بالفعل ضجةً واسعة في أوساط عشّاق القهوة، بعدما تعاقد مع فريق استقدم أفراده من جميع أنحاء العالم – منهم عدد من صنّاع القهوة الذين فازوا بجوائز. ويعلق القاسم مازحاً: “وهو ما يجعلها متنوعة ثقافياً، أليس كذلك؟، تماماً مثل دبي”، مضيفاً: “نحن نؤمن بضرورة تقديم قهوة عالية الجودة وتجربة تتميز بالأصالة”.

وبالطبع، مثل غالبية المقاهي الجديدة، يقدم دروب كوفي لزبائنه خيارات عديدة أخرى بخلاف القهوة السادة والمضاف إليها السكر أو الحليب أو الهيل. واليوم، يقف العقل حائراً أمام هذا السيل الجارف من الخيارات، فقد صار بإمكان روّاد المقاهي اختيار ليس فقط النكهات، بل وتقنيات صب القهوة، وحتى طريقة حصادها، وهو ما يُشار إليه بمصطلح “الموجة الثالثة للقهوة” التي ظهرت في أعقاب الموجة الأولى التي قدّرت مكانة القهوة كمشروب سريع ولذيذ وغني بالكافيين، والموجة الثانية التي غيّرت نظرة الناس إلى القهوة وجعلتها في صميم اهتمامات الذوّاقة.

شيخ يستمتع باحتساء القهوة في أحد مقاهي القاهرة عام 1896. الصورة: Getty Images

شيخ يستمتع باحتساء القهوة في أحد مقاهي القاهرة عام 1896. الصورة: Getty Images

ولكن يبقى الأمر الوحيد المؤكد أن القهوة تحوّلت من مجرد سلعة إلى صناعة لها تعقيداتها الكثيرة ومجموعتها الواسعة من النكهات. بل ولم تعدْ بين أفراد جيلنا الرقمي مشروباً، وإنما أسلوب حياة. ويُظهِر البحثُ عنها في غوغل أكثر من 1.6 مليار نتيجة، ولها إيموجي خاص بها، كما جرى تضمينها في هاشتاغات بمنشورات على انستقرام لأكثر من 78 مليون مرة. ليس هذا فحسب، بل وأصبحت تحظى باحتفال عالمي يتمثّل في اليوم العالمي للقهوة – الذي يصادف الأول من أكتوبر من كل عام. وهي بلا شك إنجازات لا بأس بها لمشروب يتعدّى عمرُه عدةَ قرون، وتم تقديمه بنكهات وخيارات تفوق عدد ما جسّدته كلٌ من مادونا وبريتني سبيرز (مجتمعتين) من شخصيات على الشاشة.

ورغم أن انتشارَ المقاهي العصرية الأنيقة أمرٌ جديد نسبياً في الشرق الأوسط، إلا أن التلذذ باحتساء القهوة قد بدأ من المنطقة، على حد قول القاسم. ويبدو أن شرف اكتشافها يعود إلى راعٍ للماعز في أثيوبيا إبان القرن التاسع (هل ثمة حكاية أكثر إثارة من ذلك؟) لاحظ أن قطيعه يمتلئ نشاطاً بعدما يتغذى على ثمار وأوراق شجرة مجهولة. ويبادر بطلنا الراعي بتذوّق الثمار بنفسه، فيدبّ فيه النشاطُ لما تحويه من منبّهات طبيعية. وبعد أول تجربة مع الكافيين، لم يعد العالمُ كما كان في السابق.

ظلت القهوة مجهولة حتى بدأ روّاد الأضرحة الصوفيون في اليمن خلال منتصف القرن الخامس عشر تقريباً تحميصها وغليها لتناولها بنفس الطريقة التي نعرفها اليوم.

ويوضح الخميس: “لا يضاف السكر إلى القهوة العربية التقليدية مطلقاً في الحقيقة. وغالباً ما تُقدَّم مع شيء حلو المذاق، مثل التمر أو الشوكولاتة؛ فإضافة مكونات أخرى قد تنتقص من مذاقها، حتى الحليب والكريمة لا يُحبذ إضافتهما. ويحبّ العربُ القهوةَ المرة. وتختلف حبوب القهوة وخفّتها بحسب المكان الذي تجُلب منه؛ فنحن في الخليج، على سبيل المثال، نحبّ القهوة الخفيفة، فيما يحبّ أهل الشام احتساء القهوة الداكنة أكثر”.

بعض أنواع أشجار القهوة قد تستمر في إنتاج الثمار لمدة تصل إلى 100 عام. الصورة: Getty Images

بعض أنواع أشجار القهوة قد تستمر في إنتاج الثمار لمدة تصل إلى 100 عام. الصورة: Getty Images

وسرعان ما انتشرت حبوب القهوة وتأثيراتها المنبِّهة في أنحاء شبه الجزيرة العربية حتى وصلت في النهاية إلى الإمبراطورية العثمانية. وأحبّها العثمانيون والأتراك مثلما أحبّها العرب، وأحدثوا ثورة حقيقية بها، بعدما أقاموا لها مقاهٍ صارت ملتقىً مهماً لاجتماعات أبناء الطبقة الراقية.

وامتد انتشارها من الشرق الأوسط إلى إيطاليا –بفضل ازدهار حركة التجارة بين البندقية، وشمال أفريقيا، ومصر– وقاومت تحريمها على يد رجال الدين وقتذاك. ولحسن الحظ أنهم أخفقوا في مرادهم –إلا لكُنّا تجرعنا بدلاً من القهوة طعم الخيبة والمرارة– فقد أحبّ البابا كليمنت الثامن هذا السائل الأسود فور احتسائه رشفة واحدة منه ورفض تحريمه، بل وقرر تعميد كيس من حبوب القهوة [تعميد رمزي] معلناً أن شربها ليس إثماً. وبمباركة البابا، ازدادت شعبيتها، وفي عام 1645 افتُتِحَ في روما أول مقهى على مستوى أوروبا.

دلّة قهوة نحاسية إماراتية تقليدية تتميز بفمها الهلالي المتدلي من جسمها كمنقار طير. الصورة: Getty Images

دلّة قهوة نحاسية إماراتية تقليدية تتميز بفمها الهلالي المتدلي من جسمها كمنقار طير. الصورة: Getty Images

وتتعدّى فوائد القهوة إبقائك مستيقظاً على مكتبك، أو منحك الشعور بمجاراة الصيحات العصرية [حينما ترتاد المقاهي الحديثة]، أو تمنحك مبررات للدردشة مع أصدقائك؛ فبحسب بحث نشرته مجلة حوليات الطب الباطني الأكاديمية، قد يقلل تناولُ ثلاثة أكواب من القهوة يومياً من خطر الإصابة بأمراض القلب. ويُعتَقد أيضاً أن مادة الكافيين، التي تتوافر في القهوة، تساعد في الحد من الاكتئاب، فقد زعمت دراسةُ نشرتها كلية هارڤارد تي إتش تشان للصحة العامة، المتخصصة في الدراسات العليا، أن النساءَ اللواتي يتناولن أربعة أكواب من القهوة أو أكثر أقلُ عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 20% عن غيرهن. وإن صحت هذه النظرية، فلا بد أن الأديب والفيلسوف الفرنسي ڤولتير كان أسعدَ رجل في فرنسا، فقد قيل إنه كان يشرب من 40 إلى 50 قدحاً من القهوة يومياً، وأنه لا يباريه في ذلك سوى بيتهوڤن الذي كان يعدّ فنجانه اليومي بـ60 حبّة قهوة يحصيها بيديه.

مقهى ذا اسّبريسو لاب المتخصص في تقديم القهوة في دبي بالإمارات، والذي أسسه رائدُ الأعمال الإماراتي إبراهيم الملوحي. الصورة: Getty Images

مقهى ذا اسّبريسو لاب المتخصص في تقديم القهوة في دبي بالإمارات، والذي أسسه رائدُ الأعمال الإماراتي إبراهيم الملوحي. الصورة: Getty Images

واليوم، تحتل القهوةُ المرتبةَ الثانية بعد النفط على لائحة السلع الأكثر تداولاً بصورة قانونية على مستوى العالم. ومع زيادة أعداد المقاهي الأنيقة الجديدة التي يتم افتتاحها تباعاً، تُرى، ماذا يمنعك من ارتشاف فنجانك الصباحي الذي أصبح بمثابة الوقود الجديد الذي سينقل الشرق الأوسط إلى مستقبل زاهر.

نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد مارس 2018 من ڤوغ العربية للرجل.

اقرؤوا أيضاً: المسابقات القديمة للقوة والتحمل تنتشر في الديرة

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع